لم تلتئم القمة العربية التي كان من المقرر أن تعقد أمس بالعاصمة القطرية لاتخاذ موقف عربي موحد إزاء المجزرة الإسرائيلية ضد أطفال ونساء غزة والعمل على الأقل من أجل وقف المذبحة التي تدخل اليوم أسبوعها الثاني. ورغم أن الشعوب العربية اقتنعت بعدم جدية هذه القمم ورغم التأخر في تحديد موعدها إلا أنها أقنعت نفسها أن عقد قمة خير من عدمه وعلى أمل أن يتخذ القادة العرب موقفا مشرفا ومساندا لفلسطينيين يذبحون وبالتالي كسرهم هذه المرة لقاعدة الفشل التي ميزت كل قممهم الماضية. ولكن ظن الشعوب العربية وآمالهم خابت بعد أن أجهضت المبادرة القطرية وتؤكد درجة الهوان العربي وعدم تمكن 22 دولة عربية حتى من إصدار بيان استنكار وتنديد موحد بالجرائم التي تقترفها إدارة الاحتلال الإسرائيلي لليوم الثامن على التوالي وهي ماضية في تحديها لهم. والمفارقة أن هذه القمة لم تعقد رغم أن الدعوة إليها جاءت بمبادرة قطرية وتبنتها الجامعة العربية وسارع أمينها العام عمرو موسى إلى مباشرة مساعيه لالتئامها واعتقدت الشعوب العربية مخطئة أن القمة ستعقد ليستفيقوا على حجم خلافات أعمق وصراعات معلنة وغير معلنة قوضت كل آمال لعقد قمة العاصمة القطرية في وقت كانت تنتظر ردا عربيا في مستوى الهمجية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين. ولم يبتئس العرب لعدم انعقاد قمة رؤسائهم حتى لا تنفضح خلافاتهم وتنابزهم وتحميل كل دولة مسوؤلية ما يجري لدولة أخرى ورغم توفر دواعي انعقادها وأن تصبح مجزرة غزة عاملا للتوحد، خاصة وأن شعبا عربيا يقتل هكذا ببرودة أعصاب من طرف مجرمي حرب جدد لكن العرب بقوا في موقع المتفرج وكأن الأمر لا يعنيهم. ويبدو أن العرب لايريدون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل وراعيتها الولاياتالمتحدة وفضلوا الاكتفاء بإرسال شحنات الأغذية والأدوية عبر معبر رفح الذي أصبح بقدرة قادر معبرا للمساعدات الإنسانية وفقط أما أن يكون منفذا لرفع الغبن عن الفلسطينيين المحاصرين جوعا أرضا وبالقنابل والصواريخ جوا فلا يمكنه أن يكون كذلك رغم هول مذبحة تتم أمام أعين كل العالم ولا أحد تحرك لإنقاذ أطفال ونساء من حرب إبادة معلنة. وأكدت انتكاسة الدبلوماسية العربية أن العرب رغم عوامل قوتهم أصبحوا كماًًّ مهملا في معادلة دولية أكبر منهم بعد أن طغت خلافاتهم على مصالحهم القومية والعربية وراحت كل دولة تروج لطروحاتها وتتباهى أخرى بتاريخها وما قدمته للقضية العربية وثالثة غير مكترثة. و بين أيدي العرب ورقة رابحة كان بإمكانهم أن يشهروها في وجه مجرم الألفية ايهود باراك وحكومته ولكنهم لم يتمكنوا حتى من التلفظ بها ولو مرة واحدة رغم أنها كانت المطلب المحوري لكل الشعوب العربية الذين طالبوا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إدارة احتلال مجرمة. والأكثر من ذلك فإن الدول العربية وبدلا من أن تتحرك على كل الأصعدة فقد ركنت إلى سبات غير مبرر وتركت الباب واسعا أمام تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية لتنتقل في مختلف العواصم مدافعة عن جريمتها وإظهار إسرائيل على أنها الضحية وجعلت حركة حماس من ورائها كل العرب في قفص الاتهام بدعوى أن صورايخ تقليدية عكرت الحياة على مستوطنين يهود في جنوبفلسطين التاريخية بما استدعى تدمير قطاع غزة. وليس من الغرابة أيضا أن تنوب الدبلوماسية التركية عن 22 دولة عربية في مسعى لإقناع إدارة الاحتلال بوقف جريمتها وإبادتها للفلسطينيين. وتؤكد هذه الحقيقة المرة أن الدول العربية سواء تلك التي تقيم علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل فقدت كل مصداقية لها على الساحة الدولية وتأكدت من عجزها مما جعل أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري يستنجد بنظيره التركي علي بابا جان للقيام بتحرك سريع لإنقاذ الموقف. وحتى التحرك التركي محكوم عليه بالفشل بعد أن أكد مختلف المسؤولين الإسرائيليين أنهم سيواصلون تنفيذ جريمتهم إلى غاية تحقيق الأهداف المسطرة لها وهو تأكيد على أن الخيار الدبلوماسي لم يحن وقته بعد وأن الجريمة ستتواصل وعلى الدول العربية أن تنتظر وهي التي فشلت قبل يومين في تمرير مشروع لائحة أممية تلزم إسرائيل بوقف مذبحتها.