كانت الساعة تقارب العاشرة الا الربع عندما وصلت الى مقر اقامة القضاة لحضور ملتقى حول عدالة الأحداث في الجزائر·· استقبلني أحد رجال الشرطة بابتسامة، فابتسمت له دون أن يعلم أحدنا في تلك اللحظة ان ابتسامة تلك الصبيحة الهادئة ستتحول الى بكاء وألم··دخلت مقر إقامة القضاة متحمسة لمتابعة محاضرات المختصين في سلك العدالة والأمن، استلمت شارة الدخول وما أن وطأت قدماي القاعة التي كان يفترض أن تحتضن فعاليات الملتقى حتى زلزلت الأرض زلزلة شديدة مصحوبة بدوي قوي جدا·· تعالت الصراخات في وقت كنت أردد فيه الشهادتين معتقدة أن الأمر يتعلق بزلزال قوي لا سيما بعد أن اخذت بعض أجزاء المبنى تنهار أمام عيناي· هرول الجميع نحو باب الخروج وكنت آخر من غادر القاعة لأجدني أمام مشهد حافلة طلبة تحترق، يتضح أن الأمر لا يتعلق بكارثة طبيعية، وإنما بجريمة دموية أخرى استهدفت كالعادة ضحايا أبرياء· أشلاء ممزقة عند مدخل المجلس الدستوري، جثث أمام حافلة الطلبة غارقة في دمائها، زجاج يغطي الرصيف، نساء مصدومات يصرخن بشدة، وشرطي ينزف دما وهو ملقى على الأرض·· حاولت رفقة شابين إيقاف نزيفه بالمناديل الورقية لكن النزيف كان أقوى· فجأة ظهر شاب آخر أمامنا نزع قميصه وقدمه للشرطي الجريح·· لقد كان صورة جد مأثرة عن تضامن المارة في انتظار وصول سيارات الاسعاف· رجال الشرطة، الدرك والحماية المدنية غزوا المكان بعد بضع دقائق، ليبدأ مشوار الانقاذ والاسعاف بعد أن تلطخت الأرض بدماء عشرات القتلى والجرحى·· انهمرت دموعي وأنا أحمل في أعماقي ألف سؤال: بأي ذنب قتلوا؟ لم هذه الاغتيالات الجبانة التي لم ولن تنال يوما من صمود الجزائريين الذين استطاعوا عبر عدة حقب زمنية مواجهة أعداء الجزائر؟·· ماذا يمكن أن أفعل لضحايا الاعتداء الارهابي الذين يوجدون من حولي؟··أخيرا وجدت نفسي أمسح دموعي وأدعو الله ليغفر للضحايا ويرحمهم وليفرغ علينا صبرا لنواجه ما بقي من فلول الجماعات والزمر الارهابية وانتحارييها ·· فالحياة مستمرة ولابد للحق ان ينتصر يوما وللباطل أن يزهق لأن الباطل كان زهوقا·