بدأت القوات الإسرائيلية تنفيذ قرارها القاضي بالتوغل البري داخل غزة وهي العملية التي حشدت لها آلاف العساكر وعشرات الآليات العسكرية بعد أن نفذ وينفذ الطيران الصهيوني غاراته على أهداف في غزة مدعوما بالمدفعية والبوارج البحرية طيلة 9 أيام.وقد شرعت القوات البرية الإسرائيلية حسب الأخبار الواردة من عين المكان في توغلها إلى القطاع من ثلاثة محاور مدعومة بالطيران والدبابات وقوات الهندسة العسكرية والبحرية تنفيذا للمرحلة الثالثة من العدوان على غزة. وكان استشهد 16 فلسطينيا أمس في غارة شنتها مقنبلات إسرائيلية استهدفت مسجدا في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. وانتظرت المقنبلات الإسرائيلية وقت أداء صلاة العشاء لتطلق صاروخ جو أرض على مسجد إبراهيم المقدمي في المخيم المذكور مما أوقع هذه الحصيلة من الشهداء الذين يضافون إلى قائمة شهداء المجزرة الذين بلغوا قرابة 460 شهيدا بالإضافة إلى أكثر من 2950 جريحا. وأكد شهود عيان أنهم استخرجوا جثث عشرة مصلين من تحت أنقاض المسجد المستهدف بينما استمرت عمليات الإغاثة إلى ساعات متأخرة لإخراج مزيد من شهداء هذه الغارة الجبانة. وأضاف الشهود أن شقيقين في العاشرة والثانية عشرة سقطا شهيدين في عملية القنبلة كما أصيب ستة عشر مصليا آخر وصفت جروحهم بالخطيرة جدا. وكان أكثر من مائتي مصلي يؤدون صلاة العشاء عندما فاجأتهم طائرات مقنبلة بغارة جوية طمرتهم تحت الأنقاض. ولم تستثن إدارة الاحتلال في جريمته المتواصلة ضد غزة أماكن الصلاة ودمرت أكثر من عشرة مساجد بدعوى أنها تأوي عناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس. وتأتي هذه الغارة الجبانة في نفس الوقت الذي شرعت فيه المدفعية الثقيلة الإسرائيلية في قصف مكثف للعمق الفلسطيني في غزة بما ينذر باحتمال البدء في اجتياح بري لقطاع غزة لإتمام ما تركته الغارات الجوية إلى حد الآن. وشملت عملية القصف مدن بيت حانون وخان يونس وجباليا وهي أكبر المدن الفلسطينية في قطاع غزة في محاولة لإنهاك المقاومة الفلسطينية والتحضير لاستهداف عناصرها واحدا واحدا. وكان العديد من المسؤولين الإسرائيليين أكدوا خلال اليومين الأخيرين أن هجوما بريا على قطاع غزة يبقى من بين الخيارات المطروحة للقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية وهو ما ينبئ بمجازر بشعة لاحقة في هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية. وأكدت عدة مصادر أن مدرعات ودبابات إسرائيلية تحركت هي الأخرى باتجاه الحدود مع قطاع غزة في تنسيق ملحوظ مع القوات الأخرى في نفس الوقت الذي كانت فيه طائرات تراقب الأوضاع من الجو بينما واصلت البوارج الحربية إطلاق صورايخ بحر أرض على الأهداف الفلسطينية. وبينما تتواصل تداعيات هذه المجزرة استفحلت حدة الأزمة الإنسانية ضد سكان القطاع الذين حرموا من أدنى ضروريات الحياة وأبسط المستلزمات لإسعاف جرحاهم الذين ينقلون بالمئات إلى مستشفيات بقيت عاجزة عن استيعاب العدد الهائل من المصابين في مشهد ينذر بحدوث كارثة إنسانية وصحية وبيئية وشيكة. وأكد برنامج الغذاء العالمي ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا" التابعتين للمنظمة الأممية أن الوضعية الحالية في غزة مروعة وأن 80 بالمئة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي انعدمت بدورها في ظل استمرار إجراءات إغلاق المعابر وأصبحت مخازن هذه الوكالات خاوية من محتوياتها. وأكدت منظمة "أوكس فام" البريطانية أن نسبة كبيرة من سكان غزة لا يجدون ما يسد رمقهم لعدة أيام وأن البعض منهم يدفعون حوالي ستة دولارات من أجل اقتناء الخبز إن وجد أصلا فما بالك بباقي الاحتياجات من دقيق الخبز والسميد والأرز والسكر والحليب التي فقدت في السوق منذ شهور. وحتى وإن وجدت هذه المواد فلا يمكن استعمالها بعد أن منعت إدارة الاحتلال إمدادات الغاز والوقود عن القطاع منذ عدة أشهر وهو الأمر الذي تسبب في تعطيل تشغيل محطة الكهرباء الرئيسية في القطاع وحرم آلاف العائلات من التزود بالكهرباء والماء الشروب بعدما تعطلت أجهزة الضخ. والأكثر من ذلك أن الغزاويين لم يعودوا يجدون مكانا يلجؤون إليه حتى لتضميد جراحهم بعدما أصبحت المستشفيات عاجزة عن استيعاب العدد الهائل من المصابين جراء القصف الهمجي الإسرائيلي في ظل انعدام أدنى المستلزمات الضرورية. وقال المنسق الإنساني الأممي ماكس جيلارد أن الوضع الإنساني في غزة يواجه أكثر من أزمة إنسانية، وأضاف أن غزة تواجه أزمة غذائية حقيقية وأن المستشفيات والعيادات الطبية ستشل في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية. يحدث كل هذا وإسرائيل بدون أي حرج تدعي أنه لا توجد هناك مأساة إنسانية في غزة وأن ما سمحت بدخوله من مساعدات إنسانية خلال الأسبوع الأول من محرقتها كاف لسد احتياجات سكان القطاع. ولكن واقع الحال على أرض غزة المدمرة يدحض الادعاءات الإسرائيلية ويؤكد أن ما يحدث هو إبادة إنسانية متعمدة بكل المقاييس. وقد نقلت شاشات العالم صور الدمار الرهيب والخراب الذي لحق بمعظم المنشآت والمباني في غزة، فهذه عمارات متعددة الطوابق انهارت عن آخرها وذاك حطام لمباني دكت أرضا وشوارع غمرتها مياه الصرف الصحي التي اختلطت برائحة الموت المنبعث من كل ركن من أرض غزة المحطمة.