بعفوية لا متناهية وإصرار أكيد، التقى فنانون تشكيليون جزائريون برواق "محمد راسم" حول جدارية تنبض بقلب غزّة الدامي وأخذت أناملهم ترسم ما يحسّون به وتعكس ألمهم لما يجري في رقعة عربية تعرف الويل والموت والعالم كله ينظر ويتحسّر من بعيد..بعيد. محرقة أكيدة تلك التي تحدث في غزة، موتى، دمار عويل مقاومة تبقى صامدة وصهيون يزيد وحشية ويرتكب إبادة دخلت التاريخ من بابه الوسخ، فماذا يمكن أن يفعل الإنسان أمام ما يحدث يوميا بأرض قريبة من القلب والجراح؟، كيف يمكن له أن يعبّر عن ألم شديد بلغ النفس والجسد سيان؟. وقف الفنانون التشكيليون الجزائريون وقفة لا جلوس بعدها وبدؤوا في رسم جدارية أسقطوا فيها كلّ شعورهم الذي تخطّى فضاء اللاشعور وعاد حاملا معه الكثير من الوجع والتحسّر، فها هو بن سالم من برج بوعريريج يرسم "غارنيكا العرب" بعدما رسم بيكاسو لوحته الشهيرة "غارنيكا" التي مثّل فيها مدينة غارنيكا باسبانيا والتي أبيدت إثر قصفها من طرف هتلر عام 1937، وفي هذا السياق يقول روابح عبد القادر من نفس المدينة "لقد تعرّضت هذه المدينة لخمسين طنا من القنابل الحارقة بينما تعرّضت غزة لأكثر من ذلك وبكثير فعلينا أن نرسم أكثر من غارنيكا واحدة". في حين، اعتبر عبد الحميد لعروسي رئيس الإتحاد الوطني للفنون التشكيلية أنّ الفنانين يُقبلون على رواق راسم بكلّ عفوية للمشاركة في رسم جدارية لم يقرّر بعد الفضاء الذي ستعرض فيه، وأضاف أنّ الفنانين يرفضون كلّ أشكل الاضطهاد حيثما كان وكيفما كان، وهو ما يحاول أن يعبّر عنه في لوحة تمثّل منديلا فلسطينيا في وسطه حمامة سلام تعبّر عن شعب مسالم يتعرّض إلى عدوان رهيب ولكن مع ذلك-يضيف المتحدث- يبقى الأمل في الأفق ساطعا. عن أيّ سلام وعن أي أمل وغزة تحترق؟، عن أي مستقبل وغزّة محاطة بسياج رهيب يمزج بين صمت البعيد وتنديد القريب من بعيد؟، وها هي لوحة يشارك فيها كبي جهيد من باتنة معبّرا فيها عن الحصار والصمت بسياج يحيط بالجريحة التي تنزف وتطلب النجدة فهل من مجيب؟، وغير بعيد عن هذه اللوحة لوحة أخرى قال عنها غدير عبد الباسط من إليزي أنّ حمامة السلام تحترق والتطبيع العربي أسوء ما يحدث لغزة من حصار إسرائيل. لوحات ترسم في رواق راسم لتمتزج فيما بعد وتشكّل جدارية، لوحات تصرخ في صمت وتبكي بدون دموع وتتكلّم بلا صوت ولكننا نفهمها، آه كم نفهمها، وآه كم نحزن لأجلها وآه كم نحن لا شيء وليس لدينا إلاّ قلم أوريشة أوما شابهها لكي نصرخ ونندّد بما يجري في غزة. غزة الحبيبة بشهدائك الأبرار ومجاهديك الأحرار، أصمدي وثابري فما لديك من نهج غير ذاك، أنت تعيشين أياما مشينة ولكن لكلّ شيء نهاية حتى العدوان عليك سينتهي في يوم قريبا جدا إن شاء الله ، هي قضية أرض والأرض ليس لها من قرار إلاّ تحرير من قيود طال أمدها وحان أجل كسرها إلى الأبد. غزة الحبيبة، يموت فيك الأطفال وتنتهي فيك الأفراح وتلد فيك النساء الحياة فتتربّص بها المنية في كلّ ركن من أركان حاراتك الشعبية، غزة الحبيبية يا من علّمتنا الصمود في زمن تناسينا فيه معنى المقاومة، أنت التي قرّرت ومعك كلّ أراضي فلسطين النقية أن تقاومي لأجل الأرض وها أنت تدفعين الغالي لذلك، أنت التي فهمت أنّ لا حياة كريمة في أرض مسلوبة مثلما فهمت أرض الجزائر ذلك فحاربت ونالت استقلالها فثابري وإن اختلف عالم اليوم عن ذاك الذي عرفه بلد الشهداء "الجزائر"، واصلي على نهجك فقد أدركت أنّ الأرض قضية حياة أوموت وتيقّنت أنّ التراب على عاتق صاحب الأرض فاعتمدت على نفسك ولم تنتظر إخوانك لتحرير الأرض وأنت على حقّ في ذلك. أنت لست وحدك يا غزة حتى وإن كنت تعتقدين العكس تماما، وحتى لو صمت العالم وتكلّم في الخفاء فالتاريخ هو من يقول الحقيقة حتى ولو كتبه الإنسان ذاك الذي يكتب ما يشاء ويطمر ما يشاء أيضا.. نعم التاريخ لا ينسى والتاريخ يشهد ولا يعترف إلاّ بما يشهد به، والتاريخ يا غزة يكتب ويؤرّخ ما تعيشينه يا حبيبة فيا أسفاه ويا غزّاه ويا فلسطيناه.