* email * facebook * twitter * google+ أخلط المشير خليفة حفتر، كل أوراق مساعي التسوية السياسية في ليبيا بعد قراره الزحف على العاصمة طرابلس بهدف "القضاء على الإرهاب والمرتزقة" ضمن غطاء هدفه النهائي الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني برئاسة غريمه السياسي فايز السراج. وقال حفتر قبل شن حملته العسكرية إن ساعة الحقيقة قد حانت، داعيا سكان العاصمة طرابلس إلى مغادرتها والقوات الحكومية إلى الاستسلام، قبل أن يؤكد الجنرال أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر أن الهدف من تنظيم هذا الهجوم يبقى "تطهير الغرب الليبي من الإرهابيين والمرتزقة"، في إشارة إلى حكومة الوفاق الوطني والعديد من المليشيات الموالية لها. وأعاد حفتر بهذه العملية التي لم تكشف عن كل أسرارها، الأوضاع السياسية والأمنية إلى نقطة الصفر وفتح الباب أمام كل الاحتمالات الكارثية لعملية عسكرية غير محسوبة العواقب في بلد تفككت هيئاته الرسمية وتعددت سلطاته التنفيذية والبرلمانية والعسكرية. فعندما كان الجميع يعتقد أن مسار إخراج ليبيا من النفق المظلم الذي دخلته قبل ثماني سنوات وضع على سكته الصحيحة بإعلان تنظيم ندوة للمصالحة الوطنية منتصف هذا الشهر بمدينة غدامس الليبية، يكون خليفة حفتر بهذا التصرف قد طعن في كل المسارات السلمية التي وضعتها المجموعة الدولية من أجل تجسيد خطة الانتقال السلمي للأزمة وحظيت بدعم دولي خلال ندوة مدينة بالرمو الإيطالية برعاية أممية شهر نوفمبر من العام الماضي. وأكدت تقارير عسكرية أن وحدات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر، واصلت زحفها منذ نهار الخميس وأصبحت قاب قوسين من العاصمة طرابلس قبل أن تتصدى لها قوات حكومة الوفاق الوطني التي أوقفت زحف قوات حفتر التي تمكنت من بسط سيطرتها قبل يومين على مدن غريان وصبراتة وصرمان الواقعة على بعد حوالي 60 كلم فقط إلى الغرب من العاصمة طرابلس. ويترقب الجميع أمام هذا الانزلاق المفاجئ القرارات التي سيتخذها أعضاء مجلس الأمن الدولي الذي عقد ليلة أمس، اجتماعا طارئا بدعوة من المملكة المتحدة لبحث الموقف وتداعياته على الوضع الداخلي في هذا البلد الممزق وعلى كل الجوار الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة دول الساحل. ومهما تكن نتائج هذه العملية، فإن سؤالا محوريا يطرح بخصوص توقيتها الذي تزامن مع تحديد منتصف الشهر الجاري لتنظيم أول ندوة للمصالحة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع الليبي على أمل وضع خارطة طريق لبدء مرحلة انتقالية لإخراج ليبيا من محنتها. كما أنها تزامنت مع زيارة غير مسبوقة للأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس، إلى ليبيا نهاية الأسبوع، والتي غادرها أمس، بعد أن التقى برئيس حكومة الوفاق فايز السراج أمس، بحفتر بمدينة بنغازي. ولم يتسرب عن هذا اللقاء الذي يأتي في ظروف استثنائية أية معلومات، ماعدا ما كتبه غوتيريس في تغريدة له على موقع "تويتر"، أكد من خلالها أنه يهدف إلى تجنيب ليبيا متاهة الدخول في مواجهات عسكرية جديدة. ولا يمنع ذلك من القول إن الزحف العسكري لقوات الجيش الوطني الليبي تحمل الكثير من الرسائل السياسية وهي أن حفتر لم يعد يثق في غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا وأنه يرفض خطة التسوية الأممية أو أنه استشعر أنه لم يحصل على ما كان يريده في التصور القادم لتوزيع المهام في السلطة الليبية الجديدة، كما لا يستبعد أن حفتر أراد من خلال هذه المغامرة خدمة مصالح قوى إقليمية بدأت تستشعر خطر تفاهم الليبيين فيما بينهم على مصالحها. وهي احتمالات واردة رغم أن عمليته لاقت إدانة واسعة وسريعة من كل القوى الدولية والإقليمية، بما فيها تلك التي يحظى بدعمها المالي والعسكري والسياسي، وهي التي مكنته من التحول إلى رقم محوري في المعادلة السياسية والأمنية الليبية على مدار السنوات الثماني الأخيرة، وهو ما يدفع إلى طرح سؤال جوهري حول من أقنع قائد الجيش الوطني الليبي بالقيام بهذه المغامرة؟ وتوالت ردود الفعل الدولية محذرة من تداعيات هذه العملية من موسكو إلى واشنطن، مرورا بباريس ولندن وروما وبرلين وتعريجا على الدوحة وأبو ظبي وأنقرة، وهي قوى لعبت بطريقة أو بأخرى دورا في وصول الأوضاع في ليبيا إلى ما وصلت إليه، بل وعملت على تعفينه بالوقوف وراء هذه الجهة أو تلك خدمة لمصالح ضيقة على حساب مصالح الشعب الليبي.