* email * facebook * twitter * linkedin نال منه التعب وهو الذي لم يرتح له بال إلا بإيصال الجزائر إلى برّ الأمان برئيس جمهورية منتخب، ولم يتوان في الاصطفاف إلى جانب الجزائريين في حراكهم ودعم مطالبهم المشروعة، فكان المرافق وفاضح مكائد العصابة وأذنابها، فوأدها في بداياتها، وكانت خطاباته على مر أكثر من 10 أشهر، البوصلة التي تحدّد مآلات الجزائر في خضم متغيرات داخلية وخارجية متسارعة، وكانت بمثابة طوق النجاة الذي تشبّث به الجزائريون. كما كانت كلماته منتقاة بدقة متناهية، وتعامل مع شتى الانتقادات والشعارات المناهضة لشخصه ومنصبه بحكمة كبيرة، مؤكدا في كلّ مرة، عقيدته النوفمبرية ووفاءه لدماء رفاقه في الجهاد، وشكّل سداً منيعاً أمام الطروحات الشاذة، ونأى بنفسه عن الأطماع والحسابات الضيقة؛ مجنبا الجزائر الغرق في مستنقع الفوضى والاضطراب. آخر إطلالة له كانت يوم الخميس الماضي، عندما قلّده رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وساما برتبة صدر من مصف الاستحقاق الوطني، نظير جهوده الجبارة والدور الكبير الذي اضطلع به في هذه المرحلة الحساسة؛ لأجل إثبات سمو الدستور، وضمان سلامة المواطنين وأمن البلاد ومؤسساتها الجمهورية، فكانت ملامح التأثر بادية على محياه وهو المعروف بصلابته وصرامته. وكانت ابتساماته نادرة، لكنّها جاءت ذلك اليوم بمعنى عميق؛ إذ كانت تنمّ عن رضا كبير. ألِف الجزائريون في الآونة الأخيرة، إطلالة الفريق المستمرة، وكسر قاعدة "المؤسسة الصامتة"، وكانت خطاباته حديثهم أينما كانوا ومهما كانت مستوياتهم، وكثيرا ما يستمدون طمأنينتهم منها. وإن غاب فترة من الزمن رافقته الإشاعات والأقاويل، لكن سرعان ما يطلّ عليهم وراء سنواته الثمانين المثقلة بهموم الوطن، موجّها تعليماته إلى مختلف الوحدات العسكرية بضرورة "عصرنة الجيش، وبلوغه الاحترافية المطلوبة". ولم يكلَّ من التنقل إلى مختلف النواحي العسكرية والتأكيد على جاهزية قواتنا المسلحة، مشددا على أنّ الجيش الوطني الشعبي سيعمل على ضمان أمن البلاد، ولن يسمح بالعودة إلى عصر إراقة الدماء. الراحل أرسى لبنات إعادة الثقة بين الدولة والشعب، ووقف على نفس المسافة مع الداعمين والمناهضين، وكان في كلّ مرة، يرجح كفة الحل الدستوري على حساب الحلول المتطرفة، فأدى مهمته، وتحمّل مسؤولياته بكلّ وفاء؛ إخلاصا لعهد الشهداء. وعكس الفريق أحمد قايد صالح العلاقة الوجدانية العميقة والقوية الكامنة بين الشعب وجيشه، والتي ترجمها الشعب في مسيراته صادحا: "الجيش الشعب.. خاوة خاوة". وهب الفقيد المجاهد الفريق أحمد قايد صالح، حياته خدمة للوطن؛ سواء إبان ثورة التحرير أو كضابط سام في الجيش الوطني الشعبي، حيث ساهم إلى آخر لحظة من حياته، في الحفاظ على استقرار وأمن البلاد، حازما في موقف المؤسسة العسكرية حينما قال: "الجيش سيكون دوماً حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفقا للدستور ولقوانين الجمهورية. وسيعرف، بفضل الله تعالى وعونه، كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بتحمّلها في كافة الظروف والأحوال؛ فالجميع يعلمون أن الجزائر قوية بشعبها وآمنة بجيشها"، وهو ما كان عندما مهّد الطريق لجمهورية جديدة، عمادها النزاهة والصدق. الفقيد الذي يمثل أحد أهم الأقطاب بالمؤسسة العسكرية بعدما نجح في تقوية قيادة الأركان وكسب ثقة جميع رؤساء النواحي العسكرية، من مواليد 13 يناير 1940 في بلدة عين ياقوت بولاية باتنة. التحق مبكرا بالثورة التحريرية وكان عمره 17 عاما عام 1957، انطلاقاً من الولاية الثانية للثورة بمنطقة المليلية ولاية جيجل، وظهر جلياً أنه خُلق للعمل العسكري، حيث عُيِّن منذ أوت 1957، قائداً بالفيالق 21 و29 و39 لجيش التحرير الوطني، ليتدرّج بعد الاستقلال، في عدة مناصب بالجيش الوطني الشعبي بعد أن تكوّن بالجزائر وبالاتحاد السوفياتي سابقا، حيث تحصّل على شهادة بأكاديمية فيستريل بموسكو، كما شارك سنة 1968، في الحرب العربية - الإسرائيلية. وتدرّج قايد صالح في المسؤوليات العسكرية بعد الاستقلال، حيث شغل منصب قائد لواء، ثم أصبح قائداً للقطاع العملياتي الأول، فقائداً لمدرسة تكوين ضباط الاحتياط، ليُعيَّن بعدها للقطاع العملياتي الجنوبي لتندوف، ثم نائباً لقائد الناحية العسكرية الخامسة، ليتولى قيادة الناحية العسكرية الثالثة ومقرها ولاية بشار في الجنوب الغربي للبلاد، ثم قائداً للناحية العسكرية الثانية ومقرها ولاية وهران (الغرب). وحصل قايد صالح على رتبة لواء في الخامس جويلية 1993، لتتم ترقيته بعد سنة 1994، قائداً عاماً للقوات البرية. وبعد 12 سنة في المنصب عُيِّن قائداً لأركان الجيش الوطني الشعبي من قِبل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلفاً للفريق محمد العماري، سنة 2004، ثم نال رتبة فريق سنة 2006. وفي 11سبتمبر 2013، قُلِّد منصب نائب وزير الدفاع الوطني. وقبل أن يوشّح بوسام برتبة صدر من مصف الاستحقاق الوطني، يحوز الفريق الراحل أحمد قايد صالح، وسام جيش التحرير الوطني، ووسام الجيش الوطني الشعبي (الشارة الثانية)، ووسام الاستحقاق العسكري، ووسام الشرف.