يوجد في الجزائر 3.5 ملايين مسن، حسب إحصائيات 2006، وهو عدد لا يبدو كبيرا مقارنة بعدد السكان البالغ أكثر من 33 مليون نسمة، إلا أن تقديرات وزارة التضامن الوطني تشير إلى أن المعادلة ستنعكس في السنوات القادمة، حيث سيصل عدد المسنين سنة 2030 الى 6.7 ملايين مسن من أصل 45.4 مليون نسمة، وهذا يعني أن الجزائر معرضة للشيخوخة، لهذا فإن الدولة وضعت استراتيجية وطنية لمواجهة الوضع. .. ومن أجل ذلك، تم وضع اطار قانوني، في الوقت الذي تشير فيه المعطيات الرقمية إلى أن المعدل في الحياة حاليا وصل الى 73 سنة، بعدما كان لا يتجاوز 67 سنة في 1990 و71 سنة في 2000، وقالت تقديرات الديوان الوطني للاحصائيات، أن المعدل في الحياة سيصل الى 73.9 سنة في 2010. وحسب ما أكده السيد الهاشمي نوري، مدير مركزي بوزارة التضامن الوطني ل"المساء"، فإن مشروع القانون الذي وضعته الدولة لحماية المسنين من خلال معاقبة الفروع عند التخلي عنهم، يهدف الى تفضيل الإبقاء على الاشخاص المسنين في الوسط العائلي، مع اشراك كل القطاعات المعنية في ضمان الحماية لهذه الشريحة، كما ينص القانون على انشاء مجلس وطني للاشخاص المسنين، مع فرض عقوبات جزائية على المتخلين عن الأصول، قد تصل الى السجن لمدة ثلاث سنوات ودفع غرامة مالية تتراوح بين 50 و100 ألف دينار، بالمقابل، يقر قانون حماية المسنين مساعدات اجتماعية لمن ليس لديه موارد للتكفل بالمسنين، فحسب السيد نوري، فإن هذه المساعدات التي تقدر ب 10 آلاف دينار شهريا توجه للعائلات التي تتطوع لاستقبال مسنين تخلى عنهم ابناؤهم لتوفير جو أسري لهم.
التخلي عن الأولياء لم يصل إلى مستوى خطير وحسب ذات المصدر، فإنه لا يمكن اعتبار تخلى الأبناء عن أوليائهم ظاهرة خطيرة في المجتمع، حيث يقول: "صحيح أن وسائل الإعلام تطرح كثيرا قضية تخلي الابناء عن أوليائهم، لكن هناك محددات ومؤشرات موضوعية تشير الى محدودية الظاهرة، ففي المدن الكبرى نجد هذه البوادر، بسبب الاتجاه الى الاسرة النووية لأسباب متعددة، وأؤكد لكم، أنه في الوقت الحالي لم نسجل أية زيادة في عدد مراكز الإيواء الخاصة بالمسنين، فالدولة عندما فتحت هذه المراكز لم تهدف الى تشجيع الناس على التخلي عن الاصول، بل من أجل رعاية هؤلاء المسنين". وحسب الارقام، الاخيرة لوزارة التضامن الوطني، فإن عدد مراكز التكفل بالمسنين وصل الى 28 مركزا، موزعين على 23 ولاية عبر التراب الوطني، وتضم العاصمة لوحدها ثلاثة مراكز، وتقدر طاقة استيعاب هذه المراكز ب 3135 سرير، في حين أن الحيز المشغول حاليا، هو 2192 مسن عبر كامل هذه المراكز، منهم 1241 رجل و951 امرأة، ويعني ذلك أن نسبة شغل هذه المراكز هي 69.92? من الحيز العام، وقد خصصت وزارة التضامن أكثر من 721 مليون دينار، للتكفل التام بكل هذه المراكز الموزعة عبر التراب الوطني.
تعليمات لتقليص عدد مراكز الشيخوخة ويشير السيد نوري قائلا: "لدينا تعليمات من أعلى السلطات ومن رئيس الجمهورية، لتقليص عدد هذه المراكز، فاستراتيجية وزارتنا لا تقوم على توسيع العدد، لهذا فنحن نعمل بالتنسيق مع الوزارة المنتدبة للاسرة وقضايا المرأة لتحسيس المجتمع بضرورة التكفل بالمسنين داخل الاسرة الصغيرة أو الكبيرة، فهذا ليس موضوع جدال أو خلاف، فالامر مرفوض دينيا واخلاقيا.. وحتى وإن كانت، هناك تعليمات لتقليص عدد المراكز، إلا أن هذا لا يمنع من حسن التكفل بهؤلاء المسنين، الذين رمت بهم الاقدار ليجدوا أنفسهم دون مأوى"، كما يضيف السيد نوري الهاشمي، الذي أشار الى ضرورة توفر ثلاثة شروط من أجل قبول الشخص المسن داخل هذه المراكز، وهي أن يكون سنه 60 سنة فما فوق وأن يكون فاقدا للصلة العائلية، وألا تكون لديه مداخيل، فهناك اشخاص تقطعت بهم السبل، ومنهم من كانوا في المهجر، فالدولة تتكفل بهم لنقلهم الى أرض الوطن حال وفاتهم. ويكلف الاهتمام بالشخص الواحد، داخل هذه المراكز 329.187 دينار سنويا، أي ما يعادل 27.432 دينار شهريا بنظام التكفل الداخلي، وهذا يشمل كتلة أجور الموظفين كذلك، حيث يشتغل في هذه المراكز إداريون وبيداغوجيون وأطباء عامون، اضافة الى مساعدات اجتماعات.
حماية المسنين مهمة كل القطاعات ولا تقتصر الإستراتيجية التي وضعتها وزارة التضامن الوطني للتكفل بالمسنين، على مستوى هذه المراكز والمؤسسات، فالمسنون موجودون في كل شرائح المجتمع من البلدية الى أعلى هيئة، لهذا هناك جهد حكومي لتنسيق العمل بين كل الوزارات، وهذا لضمان الرفاه والدفاع عن حقوق المسنين، سواء كانوا متقاعدين أو مهاجرين، ولهذا هناك دعوة إلى مختلف الوزارت الأخرى، لاستحداث نشاطات مختلفة عبر كل القطاعات، فالشخص المسن عليه أن يتمتع بكل حقوقه المدنية، وحتى الحق في التعلم، وأن يحتل مكانة لائقة في المجتمع، فضلا عن الحماية القانونية. ليضيف السيد نوري، أن الدولة تعطي أهمية بالغة لهذه الشريحة من حيث العدد والقيمة المعنوية. ودائما في اطار الاستراتيجية التي وضعتها وزارة التضامن الوطني للتكفل بالمسنين، تم اطلاق تحقيق وطني حول الشيخوخة في الجزائر: "من خلال هذا التحقيق، سنأخذ عينات عبر الوطن، الشيء الذي سيسمح بالتعرف أكثر على هذه الشريحة من كل الجوانب (العدد، السن، مكان الإقامة، التركيبة الأسرية)، مما يوفر معلومات دقيقة، لكل القطاعات من الناحية الصحية والاجتماعية، فمعرفة العدد غير كاف، دون معرفة كل هذه الاشياء الدقيقة"، يقول السيد نوري.
اختلاط المختلين عقليا بالمسنين أهم عائق ورغم الاهتمام الذي توليه وزارة التضامن لهؤلاء المسنين، فإن بعض المشاكل تصادفها، خاصة ما يتعلق بالاختلاط الموجود داخل مراكز الشيخوخة، ويصر السيد نوري على التطرق لهذه النقطة فيقول: " الدولة فتحت هذه المراكز من أجل توفير الهدوء والأمان اللائقين للمسنين، غير أنه هناك فئات أخرى تعاشرهم في هذه المراكز من مختلين عقليا، الذين من المفترض أن يكون مكانهم المصحات العقلية، فعدد هؤلاء المختلين وصل الى 400، هذا ما أحدث مشكلا عويصا لوزارة التضامن، التي ليس من مهامها التكفل بمثل هذه الفئات، وهذا نظرا لعدم توفرها على تأطير طبي متخصص لمثل هذه الحالات". مضيفا "هذه مراكز اجتماعية وليست صحية، المريض مكانه في المستشفى، فهؤلاء المختلون يمثلون 30? من المقيمين، وهم يشكلون خطرا على أمن وسكينة المقيمين الآخرين وعلى أمن المؤسسة في حد ذاتها". ومن أجل إيجاد حل لهذا المشكل الذي يصعب من مهمة وزارة التضامن، وكذا المؤطرين في هذه المراكز، فقد قامت ذات الوزارة بتقديم اقتراحات لوزارة الصحة منذ سنوات "رغم الاقتراحات التي تقدمنا بها منذ سنوات لم نحصل على أي رد، لكن مع قدوم الوزير الحالي أودعنا مجددا اقتراحاتنا، وهي موجودة على مكتبه لدراستها، لضمان التكفل الصحي بهؤلاء المرضى عقليا، وننتظر الشروع في تنفيذ الاتفاقية"، يقول السيد نوري. وقد أبرمت وزارة التضامن الوطني اتفاقية مع مؤسسة العلاج بمياه البحر منذ بضعة أشهر، لاستقبال 20 مسنا من المراكز خلال كل أسبوع، لقضاء اسبوع كامل، الى جانب هذا وفي اطار التعاون الدولي، فقد أرسل وزير التضامن الوطني، مجموعة من المسنين الى تونس ليكون هناك تبادل سياحي خاص بالاشخاص المسنين مع العديد من البلدان الاخرى.