* email * facebook * twitter * linkedin عاد العشرات من سكان القرى المترامية بجبال بلدية عمال الواقعة بالجنوب الغربي لولاية بومرداس، لأراضيهم في السنوات الأخيرة بفضل استتباب الأمن، عادوا لخدمة أراضيهم التي هجروها سنوات المأساة الوطنية، بعضهم استقر في أرضه وحقق اكتفاءه من الفلاحة الجبلية، بينما لايزال الكثير منهم ينتظرون التفاتة السلطات لتحقيق مطالب توفير الكهرباء الريفية والمياه، وتهيئة شبكة التطهير، والمسالك؛ بما يُمكنهم من بلوغ أراضيهم، والاستقرار الفعلي؛ مساهمةً في تنمية الاقتصاد الوطني. تبعث زيارة قرى بلدية عمال فينا انتعاشا لا يوصف في كل مرة نحط بها؛ فهي انعكاس حقيقي لجمال رباني، يجعل المروج الخضراء تتراقص وسط التلال والجبال، لا سيما في هذه الفترة من السنة، زاده جمالا بساطة أهلها وكرمهم وفرحهم بالزائر، ففي الحقيقة بلوغ القرى المترامية هنا وهناك متعب للغاية بسبب مشقة المسالك، لكن مثلما يقال فإن المنظر مختلف دائما عند القمة؛ حيث لا ترى في الأعالي سوى الاخضرار، ولا تسمع سوى زقزقة العصافير؛ وكأنه مشهد من فيلم درامي. كانت قرية تيغرتواسيف أول ما استوقفنا في زيارتنا؛ لأننا مشينا مسافة تزيد عن نصف ساعة من الطريق الوطني رقم 05 إلى القرية المذكورة مرورا بقرية تيزة، فلم نقابل أي شخص إلى أن لمحنا شخصا يتكئ على سيارته المركونة على جانب الطريق.. بادرناه بالحديث فقال إنه يتأمل المنظر الجميل الذي لا يُمل، ولما أعلمناه بهويتنا الإعلامية قال: "الحمد لله.. أخيرا يهتم أحدهم بالمنطقة.. نحن نواجه عدة نقائص.. مللنا من الوعود الكاذبة". قرى تاريخية بحاجة إلى نفض الغبار عنها المتحدث يدعى عمر عبدي ابن عائلة ثورية قدمت شهداء في سبيل الوطن عام 1957، يتقدمهم والده الشهيد عبدي محمد الصغير المدفون بمنطقة الكرْم بعمال، ثم أخته خوخة وابنة عمه، كانتا ممرضتين خلال الثورة، استشهدتا سنة 1958 في منطقة إذيسن المجاورة لقرية أمالو بنفس البلدية. وغير بعيد عن نفس المنطقة هناك كهف يقال له "غار أخام أوزرو"، قال محدثنا إنه يحتوي رفات قرابة 24 شهيدا أُعدموا بالغاز من طرف المستعمر الفرنسي، مناشدا الجهات المعنية نفض الغبار عن المنطقة التاريخية؛ حفاظا على الذاكرة الوطنية. وذكر محدثنا أنه يملك قرابة 10 هكتارات من الأراضي الخصبة، وأنه قام مؤخرا بتقليم 1100 شجرة زيتون. ولفت إلى كونه استغل فترة الحجر الصحي بسبب تفشي فيروس كورونا بتفقّد أرضه بقرية تيغرتواسيف قادما من بلدية برج البحري بولاية الجزائر العاصمة، وتمضية جل أوقاته هناك، مؤكدا أن عائلته واجهت هجرتين، الأولى في 1957 من طرف الاحتلال، والعودة إليها بعد الاستقلال، ثم الاضطرار للهجرة مجددا سنوات التسعينات بسبب الإرهاب؛ "اليوم عدنا إلى أرضنا لخدمتها خاصة أشجار الزيتون؛ إذ ننتظر خيرا كبيرا في موسم الجني والعصر"، ملفتا إلى صعوبة المسالك لبلوغ أراض أخرى، ومناشدا السلطات الولائية فتح وتهيئة المسالك، لا سيما من الطريق البلدي إلى قرية تيغرتواسيف على مسافة تقارب 3 كلم، مبديا استعداده للمساهمة المالية في تحقيق ذلك من أجل المنفعة العامة، بدون إغفال مد الكهرباء الريفية، ومنح الرخص لحفر الآبار من أجل السقي الفلاحي. المطالبة بتصحيح الخطأ في مسح الأراضي لفت محدثنا عمر عبدي، من جهة أخرى، إلى خطأ وقع خلال 2015 أثناء عملية مسح الأراضي، قائلا: "أُعطيت حوالي 80 هكتارا تعود لملكية خاصة، لأشخاص آخرين بسبب غياب أصحاب الأرض الأصليين عن عملية المسح، ونطالب بتسوية الأمور"، وهو ما أكده لنا إدريس من منطقة تسمى "سَكنْ فيرس" بدشرة أولاد بلمو؛ حيث وجدناه بصدد تنقية أرضه من الأحراش. وقال المتحدث إن عملية المسح ألحقت أرضه بملكية عجوز لحضور ابنها أثناء وجود لجنة المسح، في الوقت الذي غاب هو وإخوته يومها، مطالبا السلطات بتسوية الأمور؛ تفاديا لمشاكل إدارية طويلة ومعقدة لا طائل منها. كما استرسل في الحديث عن فلاحته الأرض التي تثمر كل أنواع الخضر؛ من بطاطا وطماطم وبصل وثوم... إلى جانب الأشجار المثمرة، وعلى رأسها الزيتون والبرقوق والتين والرمان والخروب؛ يقول: "إني أناشد السلطات مساعدتي ماديا لأتمكن من خدمة أرضي أكثر، فمثلما ترون أعمل بيدي فقط بدون أي عتاد أو وسائل. كما أطالب بتهيئة ينبوعين للماء، غطتهما الغابة الكثيفة ولم أتمكن من تهيئتهما من أجل السقي"، مؤكدا تحقيق اكتفائه الذاتي وأسرته من خيرات الأرض وفلاحتها. الكهرباء، الماء وفتح المسالك مطالب مشتركة التقينا بقرية هيني ودشرة أولاد بلمو، بكل من عز الدين وكِبير، وهما من أصحاب الأراضي التي عرفت هجرة أهلها سنوات التسعينات بسبب المأساة الوطنية، صادفناهما على الطريق، أحدهما كان بصدد أخذ التبن إلى مزرعته، والآخر على جرار بصهريج قاصدا عين ماء لسقي مزروعاته. ويمتلك كِبير كما قال قرابة هكتارين من الأراضي المغروسة بكل الخيرات؛ من خضر وأشجار مثمرة، خاصة "التين المبكر" أو التين، والهندي وكذا البرقوق والرمان والقليل من أشجار التفاح. وقال محدثنا إنه من دشرة أولاد بلمو، التي شهدت هجرة جماعية لسكانها خلال سنوات الإرهاب، واليوم عاد معظم السكان. وقال إنه عاد إلى أرضه سنة 2011 قادما من بلدية بودواو، مؤكدا مشقة العمل في الأرض لغياب الكهرباء الريفية؛ حيث يضطر للعمل بمحرك بنزين لتوليد الطاقة. كما يضطر لقطع مسافات طويلة لجلب الماء بالصهريج، مناشدا الجهات المعنية النظر بعين الاعتبار لتوفيرهما؛ تشجيعا للفلاحة الجبلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي. أما عز الدين المنحدر من قرية هيني وهو شاب في 36 من عمره، فقال إن أكبر إشكال تواجهه الفلاحة بأعالي الجبال، يكمن في توفير مياه السقي، متحدثا عن وجود العديد من منابع المياه المترامية بالمنطقة مثل عين تالوينْ وعين السلطان، لجلب المياه منهما، إلا أن مسالك بلوغهما وعرة، تتطلب تهيئة، مشيرا إلى وجود دراسة لمديرية الموارد المائية أجريت قبيل سنوات، لجلب المياه من عين تالوين إلى قرية هيني على حوالي 4 كلم، ولكن المشروع لم يتجسد إلى اليوم؛ ما يعيق عودة العشرات إلى أراضيهم، حسبه. يضاف إليه مشروع أُعلن عنه سابقا، يقضي ببناء حاجز مائي بكل قرية معزولة، لتوفير مياه السقي؛ عملا على تثبيت السكان في أراضيهم وتشجيع الفلاحة الجبلية، إلا أنه لم يجسد هو الآخر، فضلا عن مشروع تزويد قرابة 150 من صغار الفلاحين بالمنطقة، بأشجار حب الملوك؛ كونها أشجارا تنمو بالمناطق الجبلية، وهذا بقرى جراح وثالوزار وعين السلطان وبلمو وتيغرتواسيف، ينتظر التجسيد أيضا، بدون إغفال مطلب آخر يطرح نفسه بإلحاح، ويتعلق بأهمية تهيئة المسالك والطرق؛ قصد إعادة إحياء المنطقة تنمويا. وهنا طرح عز الدين مطلبا ملحّا لتهيئة مسلك من قرية هيني نحو الطريق الوطني رقم 05 على حوالي 300 م، مما يجنّب السكان قطع مسافة تقارب 23 كلم للوصول إلى قريتهم مرورا بكل من قرى تنوقلين وتيزة وتشحاط ودوكان وجراح وتيغرتواسيف، ثم بني دحمان، فقرية هيني. "أكثر سوادا من.. منطقة ظل!" تابعنا المسير عبر التلال المحيطة بالمكان إلى أن وصلنا إلى دشرة بودريس على الحدود مع بلدية الأخضرية بولاية البويرة المجاورة، هناك حدثنا نور الدين دريس الذي كان لتوّه فرغ من وضع الأساس لإنجاز مسكن ريفي، قائلا إنه أودع ملفه الإداري للعودة والاستقرار بأرضه، منذ 2007، ولم يستفد بعد من إعانة البناء الريفي، معددا جملة النقائص التنموية بالقرية؛ "ليست فقط منطقة ظل.. بل منطقة ظلام دامس!"، مناشدا: "يا سلطات، نريد حقنا من التنمية. عيب في 2020 نفتقر للماء الشروب ولشبكة التطهير!.. أما الغاز فهو بعيد المنال! إننا نريد تعمير البلد؛ فقد عانينا التهجير قسرا بسبب الإرهاب.. نريد الاستقرار، ولكن لا بد من ضمان أساسيات ذلك"، يقول محدثنا، مبديا أسفه الشديد على منطقة بوزقزة التاريخية التي تشمل قرى بلديات بوزقزة وقدارة إلى عمال، التي قال إنها تاريخية، شهدت معركة البطل علي خوجة في 1956، مطالبا بنفض الغبار عنها (أي المنطقة)، ومتسائلا عن سبب عدم إدراج جبل بوزقزة كمحمية، في الوقت الذي صُنفت كل من منطقة الشريعة وجرجرة كمحميات، وتُرك جبل بوزقزة للمحاجر والمقالع، حسبه. كما دعا السلطات الولائية إلى النظر بعين الاعتبار، إلى هذه المنطقة؛ بتمكينها من حقها التنموي؛ حيث لا عودة للأرض بوجود النقائص التي تحول دون العيش الكريم للسكان وتحقيق الاستقرار المنشود.