تبخر حلم الموريتانيين نهاية الأسبوع بإمكانية انقشاع ضباب الأزمة السياسية المخيم على بلدهم منذ ثمانية أشهر بعد أن فشلت رئاسة الاتحاد الإفريقي في إيجاد تسوية توافقية بين فرقاء هذه الأزمة التي تؤكد كل المؤشرات أن حلها ليس ليوم غد. وتأكد هذا الوضع المسدود بعد أن فشل الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي العقيد الليبي معمر القذافي طيلة ثلاثة أيام من الاتصالات بالعاصمة نواقشوط في إيجاد أرضية لحل توافقي ووضع حد لحالة الانسداد الحاصل في هذا البلد منذ الإطاحة بنظام الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله في السادس أوت من العام الماضي. وكان قرار الجبهة المناهضة للانقلاب العسكري بالانسحاب من قاعة المؤتمرات بمقر البرلمان الموريتاني في جلسة أشرف عليها العقيد الليبي بداية لتكرس الشرخ في مواقف الأطراف المتصارعة في موريتانيا. وكان الرئيس الليبي الذي انتقل شخصيا إلى موريتانيا لإنجاح هذا الصلح فشل في أول مهمة وساطة يقوم بها منذ توليه رئاسة الاتحاد الإفريقي بداية شهر فيفري الأخير بعد أن اتهمه المناهضون للانقلاب بالانحياز إلى جانب أعضاء المجلس العسكري الحاكم في نواقشوط برئاسة العقيد محمد ولد عبد العزيز. ولم ترق المواقف التي أبداها العقيد الليبي الى إرضاء أنصار الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله المطاح به وأكدوا انه تجاهل مطالبهم لصالح موقف الانقلابيين. وأكد الرئيس الليبي أن ملف العقوبات الإفريقية على موريتانيا قد طوي بصفة نهائية على اعتبار أن العسكريين في موريتانيا تعهدوا بالعودة إلى الحياة المدنية في إشارة إلى تعهدهم بإجراء الانتخابات الرئاسية في السادس جوان القادم. وجاءت تصريحات الرئيس الليبي بعد ثلاثة أيام من المفاوضات مع مختلف أطراف الأزمة السياسية في موريتانيا والتي سعى من خلالها إلى إيجاد "اتفاق إطار" بين مختلف الفرقاء يكون قاعدة لمفاوضات مباشرة بينهم من اجل إعادة البلاد إلى الحياة الدستورية المهدورة منذ انقلاب السادس أوت من العام الماضي. وكان الاتحاد الإفريقي قرر في الخامس من شهر فيفري الأخير فرض عقوبات ضد عناصر المجلس العسكري الأعلى في موريتانيا في حال رفضوا العودة إلى الحياة الدستورية ومنها منعهم من السفر إلى الخارج وعدم منحهم تأشيرات للمغادرة باتجاه دول أخرى بالإضافة إلى عقوبات مالية. ولكن العقيد معمر القذافي دعا الفرقاء إلى النظر باتجاه مستقبل جديد لموريتانيا التي أكد أنها "ستولد بعد السادس جوان القادم تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية التي وعد بها الانقلابيون". ولم ترق هذه التصريحات إلى إرضاء قيادة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المناهضة لهذا الانقلاب التي انتقدت بشكل لاذع موقف رئيس الاتحاد الإفريقي. وأكد محمد ولد مولود الناطق باسم هذه الجبهة أننا لا يمكننا المضي في وساطة تحت إشراف ليبيا ما لم يغير الليبيون موقفهم والكف عن مساعيهم الرامية إلى إرغامنا على قبول الأمر الواقع الذي فرضه الانقلابيون. وأضاف أن الرئيس القذافي خرج من بذلة الوسيط وجعل من المستحيل مواصلة التفاوض في مثل هذه الظروف. وهو الموقف الذي عبرت عنه هذه الجبهة في بيان أصدرته أمس وأكدت أن تصريحات الرئيس الليبي انحازت وساندت موقف الانقلابيين وهو ما يعتبر مساسا بدوره كوسيط وخرقا لمواقف المجموعة الدولية. وقالت مصادر موريتانية أن العقيد الليبي وقبل مغادرته نواقشوط باتجاه غينيا بيساو التي تعرف تململا سياسيا وعسكريا مشابها، عقد لقاء مع رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير أحد أشد المعارضين للانقلابيين في مسعى لتلطيف الأجواء وبهدف عدم فقدان دوره كوسيط محايد في أزمة عمرت طيلة ثمانية اشهر. وحسب نفس المصدر فإن العقيد القذافي أكد انه أراد أن يعبر عن إرادة الجميع للذهاب إلى انتخابات رئاسية كحل للأزمة الراهنة على أن يبقى تاريخ تنظيمها مسألة داخلية بين الموريتانيين. ولكن تصريحات القذافي أبطل مفعولها خوري ولد عبد المولى الناطق باسم الحكومة الحالية الذي أكد أن تاريخ السادس جوان المحدد لإجراء الانتخابات الرئاسية غير قابل للتفاوض. وتأتي هذه المواقف المتباينة لتؤكد أن حل الأزمة الموريتانية ليس ليوم غد كما أن الأمل الذي رافق زيارة العقيد الليبي ما لبث أن اندثر مباشرة بعد أن رفض المناهضون للمجلس العسكري الحاكم سياسية الأمر الواقع وهو ما أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر وبمعطيات ومواقف أكثر تشددا وربما قد تؤدي إلى قطيعة نهائية بين الفرقاء.