أكدت الدكتورة سامية قطوش، رئيسة فرقة البحث بمركز الجريمة والتمثيلات الاجتماعية بجامعة "البليدة 2" وعضو المجلس الإسلامي الأعلى، أن استفحال خطر عصابات الشباب في الأحياء الشعبية في مختلف المدن الكبرى تحول إلى خطر محدق، زاد انخراط العنصر النسوي فيه خطرا أكبر، ضمن تحول أكد على قدرة هذه العصابات على استقطاب مزيد من الشباب بما فيهم العنصر النسوي، رغم درجة العنف الممارس ووصل إلى حد استخدام السيوف وكل الأسلحة المحظورة. وقالت إن استعادة هيبة الدولة من خلال تكريس فعالية القوانين ذات الصلة ورجال الأمن لهيبتهم، من شأنه أن يشكل فارقا نوعيا في تطويق الظاهرة، ووضع حد لكل أشكال الفوضى وقانون الغاب الذي يريدون فرضه على عامة الناس. أكدت الدكتورة سامية قطوش، في تصريح ل«المساء" حول هذا الواقع أن ما يقع اليوم في الشارع الجزائري من جرائم، يعود بالأساس إلى مشاكل متراكمة على مدار السنين بقيت دون حل ودون اهتمام من الجهات المسؤولة. وقالت لو نعود إلى تجارب التاريخ فإن أخطر المجرمين ممن عرفوا بوحشيتهم وفظاعة أعمالهم كانوا في يوم من الأيام أطفالا أبرياء مثلهم مثل أي طفل تداعبه وتقبله وتحتضنه. وأضافت متسائلة ألم نفكر يوما أن الطفل الذي نتعامل معه بهذا الحنان واللطف يمكن أن يصبح مجرما، الأمر الذي جعلها تتساءل على من تعود مسؤولية تحول طفل بريء إلى مجرم متوحش؟ لترد على هذا الاستفهام، بأن سلوك وأفكار الإنسان ليس سوى نتاج إفرازات مجتمعية وخلاصة نمط حياتي معيش، وتجارب نحياها في حياتنا اليومية وهو ما يدفع إلى القول إنه عندما تكون طريقتنا في الحياة خاطئة وغير سوية فإن ذلك يؤدي حتما إلى تحول البعض منّا إلى لصوص وقتلة، ولذلك فإن تغيير النمط الاجتماعي وطريقتنا في الحياة ستؤدي حتما إلى وضع حد للمفاهيم الخاطئة حول الجريمة". وأوضحت المختصة الاجتماعية متسائلة إنه رغم كل السجون التي تم تشييدها في كل العالم من أجل الحد من تفشي ظواهر السرقة والقتل وكل أشكال الجريمة فإن الظاهرة مازالت منتشرة، وأنه عندما يسرق أحدهم سيارة أو خبزة مثلا نزج به في السجن ولكن هل فكرنا في صنع ما يكفي الجميع حتى يكف الجميع عن السرقة؟ لأن أغلب الجرائم تقريبا تقترف في العادة عندما يعيش البشر في ظروف اجتماعية قاسية ومجتمع يعتمد أفراده على القوة والغلبة. انخراط العنصر النّسوي في العصابات مشكل جسيم.. وفي تشريحها لظاهرة تنامي أعداد هذه العصابات أكدت المختصة في الجريمة، أن ظاهرة عصابات السيوف التي استوطنت الأحياء الشعبية في الكثير من المدن الجزائرية أصبحت مشكلة اجتماعية مستفحلة وخطرها محدق وخاصة في ظل انخراط العنصر النسوي، ضمن مؤشر على قدرة عصابات الشباب على الاستقطاب، مما يجعل الظاهرة فظيعة وتزداد فظاعتها في أدوات تنفيذ جرائمها وأساليب تكيفها في كل مرة مع المستجدات، إذ يتحول الإنسان إلى وحش ينفذ جرمه ببرودة أعصاب، بل إنه يقتل دون إحساس بالذنب وهو ما يدفعنا إلى التساءل عن السر الذي يجعل شبابا في مقتبل العمر يتمردون على قيم مجتمعاتهم، ويجدون لذّة بل نشوة في العدوانية ورغبة في إيذاء الأخرين ومتعة ارتكاب شتى أشكال العنف؟ وواصلت تجيب بالقول بضرورة أن تكون للمختصين وكل المسؤولين شجاعة الاعتراف بأن غالبية هؤلاء يعيشون تحت مستوى عتبة الفقر التي تعني غياب الاستقرار والتفكك والعنف الأسري الذي يؤدي إلى عدم الشعور بالأمن الاجتماعي، ضمن "توابل" تجعل من العنف أسلوبا لدى هؤلاء الشباب لإثبات الذات، في ظل "ابارتييد" اجتماعي ينشئ لديهم الشعور المتلازم بالإقصاء، وبالتالي الرغبة الدافعة إلى التمرد والانتقام ضمن شعور يدفع إلى تسرب أفكار خاطئة إلى عقول المراهقين حول "بطولات" عصابات الأحياء، وهم يرون تسلطها في محيطها القريب الذي يصبح يخشى مواجهة عناصرها وهو الذي أدى إلى تنامي ظاهرة "التنمر" وتحولها إلى ثقافة لم تعد تقتصر فقط على الشارع، بل انتقلت إلى المدرسة وفضاءاتها المختلفة حتى أصبح العنف أهم مخرجاتها للأسف. الوصم الاجتماعي وأثره في سياق متصل، تؤكد محدثتنا أنه كلما ارتبط الوقع الاجتماعي للجريمة في مجتمعاتنا بما يصطلح على تسميته سوسيولوجيا ب "الوصم الاجتماعي"، حيث يلقى المجرم أعتى صور النبذ الاجتماعي، بينما أجزم اليوم بأن السجن الذي كان يعتبر وصمة عار تحول إلى مفخرة يتباهى المجرمون من خلاله بقصصهم "العنترية" التي قد تغري الكثير من المراهقين. والتوصيف الاجتماعي لهذه المجموعات يحمل كثير الدلالات التي تفسر المغالطات التضليلية التي تغذيها مفاهيم خاطئة حول "الشجاعة" و«الرجولة" الإجرامية التي توهم المراهقين بأن العنف وحده يمنحهم المكانة التي يستحقونها. واعترفت أن الإشكالية معقّدة بسبب تداخل أسبابها وخاصة في ظل "وهن القيم" الذي عرفته منظومتنا القيمية على مدار الأعوام لعب دورا كبيرا في انتشار الظاهرة، بعد أن تراجعت كثير من القيم التي كانت تتأسس عليها سلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، مقابل طغيان بعض القيم المنفعية والمادية مما أدى إلى تراخي الضمير الجمعي الذي كان يمارس الرقابة الاجتماعية على كل من تسوّل له نفسه الخروج عن قواعد المجتمع وقيمه، على اعتبار أنه سلطة الضبط الاجتماعي بامتياز. ولم تتوان الخبيرة في تحميل مسؤولية تنامي هذه الانحرافات الاجتماعية، إلى غياب التنسيق التام من قبل الأجهزة الأمنية في التحرك في الوقت المناسب لردع هذه التصرفات، حيث ذكرت في هذا الخصوص بشكاوي بعض المواطنين الذين سجلوا تأخرا في الاستجابة لنداءات النجدة التي يطلبونها من أجل التدخل الفوري قصد تفادي الكارثة، ظف إلى ذلك "تخوف رجال الأمن أنفسهم من تربصات وتهديدات عصابات الأحياء التي تتوعدهم بالانتقام اذا ما تم إدانتهم..". استعادة القانون يمحق الغابية وثقافة التبليغ باب مساعدة وتشير المختصة إلى أن استعادة هيبة الدولة يبقى المفتاح من خلال استعادة القانون للأدوات الردعية واستعادة رجال الأمن لهيبتهم لتطويق الظاهرة ووضع حد لكل أشكال الفوضوية والغابية التي يريد هؤلاء فرضها بتنمرهم. وقناعتها في ذلك أن هذه الظاهرة تغذت بفكرة الخوف من عصابات الأحياء ومهادنتهم مما شجع عناصرها على مضاعفة أنشطتهم الإجرامية ونفوذهم، وبالتالي فإن التستر على هؤلاء يعد في حد ذاته جريمة أخرى أسوأ بكثير، إذ لا يكفي وإن كان مهما- توثيق الفيديوهات التي تساعد رجال الأمن في الوصول إلى الحقيقة. و لكن يجب أن ننخرط جميعا فرادى وجماعات في مهمة القضاء على هذه الظاهرة من خلال التبليغ المستمر . وختمت بالقول إن لوسائل الإعلام دورا مهما ضمن معادلة تظافر جهود الجميع، وإشراكها في مهمة التوعية المستمرة حتى عبر وصلات إشهارية تعلم المواطنين كيفيات التواصل مع مؤسسات الأمن من اجل التدخل لحماية الأبرياء، إلى جانب دور الخطاب المسجدي الذي يجب أن يحاكي ما تفرزه الأحياء من آفات وختامها أقول "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".