❊تصحيح آليات العمل السياسي وإعادة الأمور إلى نصابها لم ينتظر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الفراغ من مشروع تعديل الدستور الذي ينتظر الحسم بشأنه في استفتاء الفاتح من نوفمبر القادم، ليطلق مشروع تعديل قانون الانتخابات في سياق رسم معالم جديدة لبناء منظومة سياسية ترقى لطموحات "الجزائر الجديدة"، من منطلق قناعته أن إعادة ترتيب البيت تقتضي بالدرجة الأولى الاستجابة لتطلعات المواطنين، المعبّر عنها في الحراك المبارك والأصيل، وذلك بتصحيح آليات العمل السياسي، والعمل على تفادي أخطاء التجارب السابقة التي ساهمت في تمييع مفهوم الممارسة السياسية بسبب تفشي مظاهر سلبية، على غرار المال الفاسد وشراء الذمم واعتماد نظام "الكوطة" الذي غالبا ما يستوى بين الكفاءة والرداءة. وبإعلانه عن تنصيب اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي، يكون الرئيس تبون برأي سياسيين ومواطنين، قد وفى بوعد جديد والتزام آخر بعد ورشة تعديل الدستور، في سياق تكريس التغيير الذي قال عنه في أحد لقاءاته بأنه لن يتوقف رغم كل محاولات الرافضين له والمشوشين على جهوده، بل إنه أضفى عليه طابع الأولوية في برنامجه الرئاسي كشرط أساسي لإحداث أي نهضة تنموية واقتصادية في البلاد. ولعل ما جعل رئيس الجمهورية يبت في مشاريع الإصلاح السياسي، حسب متابعين، هو سعيه لمحو آثار فترة من الحكم، التي تعشش فيها كل أنواع الفساد والمحاباة من قبل أشخاص استغلوا النفوذ من أجل الحيازة على صفقات اقتصادية مهمة، فضلا عن تأثيرهم على صانعي القرار من أجل تحقيق مآربهم الشخصية، على غرار ما حدث خلال فترة الحكم البائد، وما انجر عنها من محاكمات في قضايا الفساد وايداع المتورطين السجن. ويراهن القاضي الأول في البلاد، على إرساء الركائز الأولى للخارطة السياسية والمؤسساتية للبلاد، إذ من شأن استفتاء تعديل الدستور وفق ملاحظين ومختصين، أن يكرس أولى خطوات التصحيح والتقويم والتي من شأنها أن تمهد للاستحقاقات الانتخابية القادمة في أجواء تتسم بالشفافية والنزاهة التي ينشدها الجميع. رؤية واضحة وخطة استشرافية للتغيير وكانت تصريحات رئيس الجمهورية خلال تنصيب اللجنة المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي واضحة، بشأن الفصل بين المال والسياسة ووضع قطيعة مع الممارسات السلبية في الانتخابات التي عرفتها الجزائر في الماضي، في سياق أخلقة العمل السياسي، مع منح الفرصة للكفاءات والمجتمع المدني للمشاركة في الاستحقاقات القادمة. وكان الرئيس تبون قد التزم بمراجعة سلسلة من القوانين حتى تتناسب مع فلسفة مشروع الدستور الجديد، وعلى رأسها القوانين المؤطرة للنظام الانتخابي، حيث سبق له أن صرّح بأن "الوعود الانتخابية هي التزامات صادقة شرع في تجسيدها في الميدان وفق رؤية استراتيجية واضحة ورزنامة محددة تستدعي منا جميعا التحلي بالواقعية والابتعاد عن الانغماس في الجزئيات والشكليات على حساب الأمور الجوهرية ذات العلاقة بالأسس الدائمة للدولة". فخلال اجتماع مجلس الوزراء، أوضح الرئيس أن مشروع التعديل الدستوري "يوفر كل الضمانات لنزاهة الانتخابات، سواء بدسترة السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات أو بتقنين صارم للتمويل السياسي، للحفاظ على حرية الإرادة الشعبية، أو بمنح فرص متكافئة للجميع في التصويت والترشح حتى يحترم صوت الناخب ويتعزز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين". وبرأي القاضي الأول في البلاد، فإن الأولوية تقتضي تسبيق التعديل الدستوري من منطلق أنه لا يمكن تجديد الهيئات المنتخبة بقوانين مرفوضة شعبيا. وأن تطبيق هذا التعديل "إذا ما وافق عليه الشعب، يستلزم تكييف عددا من القوانين مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها واستعادة هيبتها". وما يجعل القاضي الاول في البلاد متمسكا بأهمية تسبيق الورشات السياسية، هو قناعته بضرورة استعادة ثقة الشعب، من خلال إنهاء مشكلة التزوير التي رافقت الانتخابات في الجزائر لمدة طويلة، حيث صرح خلال لقاء مع مسؤولي بعض الوسائل الإعلامية أن "الانتخابات أصبحت محل شك من الجميع وهناك حديث دائم عن التزوير والتلاعب بإرادة الناخب وشراء المقاعد، وعهد شراء المقاعد في البرلمان والمجالس المحلية قد انتهى". كما أن التزام رئيس الجمهورية بتغيير قانون الانتخابات بعد تعديل الدستور، يندرج في اطار خلق طبقة سياسية جديدة وتشجيع الشباب على دخول الاستحقاقات القادمة، على أن تتكفل الدولة بمصاريف الحملة الانتخابية للمترشحين ومن ثم ضخ دماء جديدة على مستوى السلطات المحلية ورسم خارطة سياسية ومؤسساتية ذات ثقل وأهمية على الساحة الوطنية.