يتحدّث الأستاذ محند عزوق، مدير التوجيه الديني والتعليم القرآني بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ل "المساء" في هذا الحوار المقتضب، عن الرمزية الكبيرة التي يحملها المسجد الأعظم، كصرح متعدّد الوظائف، تعوّل عليه الجزائر كي يكون رافدا معتبرا من روافد الدين السمح والعلم والفكر المعتدل ومصدر إشعاع يوصل رسالة المسجد إلى مختلف بقاع المعمورة، وأنّ الجزائر التي تفخر بهذا الصرح الديني، الذي سيكون به قسم للكراسي العلمية، سيشرف عليها علماء كبار، لشرح موطأ الإمام مالك، وتدريس الكتب المعتمدة في المرجعية الدينية الوطنية، وفق منهج الاعتدال والوسطية، كما سيكون هناك قسم للفتوى وآخر للإقراء، خاصة وأنّ الجزائر أصبح بها مشاهير القراء. ❊❊كيف ترون دور المسجد الأعظم ورمزيته الثقافية والدينية؟ ** هذا المكان كان توجد به أكبر كنيسة في إفريقيا، بنيت على أنقاض مسجد، وبعد استرجاع السيادة الوطنية، ها هو يعاد بناء المسجد على هذه الأرض الطيبة التي كانت تسمى "لافيجري"، يعاد تسميتها بعد الاستقلال ب "المحمدية"، التي تشير إلى تعلق المجتمع الجزائري بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث خرج الجزائريون بعد الاستقلال عن بكرة أبيهم يهتفون في الشوارع ويردّدون عبارة "يا محمد مبروك عليك.. الجزائر رجعت ليك"، وكأنّ إرجاع الجزائر إلى سيدنا محمد هو إرجاع للهوية الإسلامية لهذه الأرض الطيبة الطاهرة، وكان من مظاهر ذلك أن سميت البلدية ببلدية المحمدية، وأنبتت فيها أكبر مسجد في العالم، بعد الحرمين الشريفين، هذا من الناحية الثقافية، حيث يمثل المسجد رمزية كبيرة، أما من الناحية الدينية، فلا يخفى على أحد دور المسجد، باعتباره أطهر بقعة على وجه الأرض، ولا يدخله إلا الطاهرون، وقد أمر الله عز وجل في قوله "في بيوت أَذِنَ الله أن ترفع ويُذكَر فيه اسمه" برفع المساجد أي بناؤها وصيانتها وحمايتها، حيث استجاب الجزائريون لنداء المولى عز وجل وتم على أرض الجزائر رفع أكبر مسجد به أطول مئذنة، وسيقصده الجزائريون من أجل أداء العبادات، خاصة وأنّ تعلّق الجزائريين بالمساجد لا تشوبه شائبة، فهم يقدّمون من حَرِّ مالهم لبناء المساجد منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. إذاُ، سيكون هذا المسجد مكانا للصلاة، حيث يتّسع بكل أرجائه ل 120 ألف مصلٍّ، منها قاعة الصلاة التي تسع لوحدها 36 ألف مصلٍّ، وسوف لن يكون المسجد للصلاة فقط، تأسيا بالرسول على الصلاة والسلام، الذي عندما بنى المسجد لم يجعله لأداء الصلاة فقط، بينما كان فيه معلما وهاديا ومرشدا، وتخرج الصحابة الكرام، وعلماء كبار، مما تعلموه بهذا المسجد، ولهذا فإن قاعة الصلاة ستؤدي أدوارا كثيرة، حيث سيكون بها قسم للكراسي العلمية، التي سيشرف عليها علماء كبار، لشرح موطأ الإمام مالك، وتدريس الكتب المعتمدة في المرجعية الدينية الوطنية، وفق منهج الاعتدال والوسطية، كما سيكون هناك قسم للفتوى وآخر للإقراء، خاصة وأنّ الجزائر أصبح بها مشاهير القراء، وأصبحت قبلة لفن القراءات، إذ لدينا الكثير من الحاملين للإجازات في القراءات العشر الكبرى والصغرى، إلى جانب قسم للإرشاد النسوي وذلك لأهميته الكبرى. ❊❊ هل هناك أدوار أخرى للمسجد الأعظم؟ نعم،، هناك أدوار أخرى ستؤدى من خلال بقية المرافق مثل المركز الثقافي الإسلامي، الذي سيكون رفيقا للمسجد الأعظم، في نشر الثقافة الإسلامية، لأنّ النشاطات التي لا يستطيع أن يحتضنها المسجد سوف تحتضن بالمركز الثقافي الإسلامي، ولعلّ الجمهور الذي يذهب إلى هذا المركز ليس بالضرورة أن تجده في المسجد، وهناك أيضا المدرسة العليا لدار القرآن، التي سوف تحتضن أزيد من 300 منتسب من حاملي الشهادات العليا، يتخرّجون منها برتبة دكتوراه وشهادات علمية تضاهي تلك الشهادات التي يتحصّل عليها نظراؤهم في الدول التي لديها مثل هذه المدارس الكبرى، فالمجال سيكون مفتوحا للطلبة، حتى ينهلوا من العلوم والمعارف التي تدرس بالمدرسة الجزائرية التي يقصدها الكثير من الوافدين من الخارج، لاتّسامها بالوسطية والاعتدال، فضلا عن مركز للدراسات، الذي سيعنى بإنجاز الدراسات واقتراح البحوث وتأليف الكتب. ❊❊كيف سيكون التنسيق وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مع الوكالة المكلفة بتسيير المسجد، وما هي حدود التدخل بين الهيئتين؟ هذا الأمر يرجع إلى السيد رئيس الجمهورية، الذي صرح من قبل وقال إنّه يجب أن يتوفّر المسجد الأعظم على هيئتين اثنتين، هيئة علمية تابعة لوزارة الشؤون الدنية، وأخرى مسيّرة للشأن اليومي لهذا الصرح، حيث أنّه سيصدر في هذا الشأن مرسوم يشهد اللمسات الأخيرة، يحدّد هذه العلاقة بين الهيئتين. ❊❊كيف سيفتح المسجد الأعظم الأبواب أمام البعثات من العلماء والوفود من الخارج؟ لا يمكن لمسجد بهذا الحجم أن يكون طابعه محليا، لأنه سيتعاون مع المؤسسات والصروح العلمية والدينية عبر العالم، فهذا التعاون هو الذي سيوصل رسالة هذا المسجد وإشعاعه، وسيستفيد هذا الصرح الديني من خبرات وكفاءات الصروح الأخرى، حيث ستكون هناك ملتقيات دولية وزيارات علمية، وتبادل للخبرات، كما سيستقبل المسجد الطلبة الوافدين من الخارج بدار القرآن، وقد حثّ رئيس الجمهورية على ضرورة الاستفادة من الخبرات من خارج الوطن، سواء من الكفاءات الجزائرية أو غيرها. ❊❊ هل تلقيتم أصداء من علماء وهيئات عالمية تشيد بهذا الصرح الديني المتميّز؟ بالطبع، فالجزائر التي أوفدت كفاءاتها إلى مختلف دول العالم، التي لديها مثل هذه الصروح الدينية، من أجل الاستفادة من خبراتها وطرق تسييرها لمثل هذه الصروح، سواء في تسيير الشأن اليومي أو الدينية، كانت ممتنة جدا لهذا الإنجاز، وهناك إجماع على الاعتراف بهذا الصرح الكبير، الذي انفردت به الجزائر، لاسيما وأن هذه المَعْلَمة الحضارية ليست لأداء الصلاة فقط، بل هو مجمع يؤدي الكثير من الوظائف الاجتماعية والثقافية والدينية والسيادية. قالوا عن المسجد: الشيخ جمال غول رئيس المجلس المستقل للأئمة: سيمنح الجزائر بعدا عالميا أكّد رئيس المجلس الوطني للأئمة وموظّفي الشؤون الدينية، جمال غول، أنّ المسجد سيغيّر من وجه الجزائر خاصة وأنّ كلّ دولة تستثمر في المجال الديني بالنظر إلى تأثيره على باقي المجالات الأخرى، كما سيمنح الجزائر بعدا عالميا كونه لا يشكّل فقط مسجدا لأداء الصلاة، رغم عظمة الصلاة ولكنه مجمع علمي وديني وأيضا سياحي يتربع على مساحة تتعدى 25 هكتارا تضم قاعة صلاة تتسع ل 120 ألف مصل ومكتبة تتسع لألفي طالب وباحث وتضم أكثر من مليون عنوان في مختلف العلوم إضافة إلى مكتبة رقمية عصرية ومتحف خاص بالتاريخ وبكلّ المحطات التي تعرّف بتاريخ الجزائر، ويضم مدرسة عليا ستعنى بالتعليم ما بعد التدرج لقطاع الشؤون الدنية ولتكوين الائمة، الذي يعد من أهم الأمور التي سوف تنفع البلاد. وأفاد الشيخ جمال غول بأنّ لهذا الصرح الديني رسالة تتضمّن جانبين أولهما الإخبار عن الداخل، وثانيا أنه يمثل شخصية الجزائر ويشكّل واجهتها وصورتها في إفريقيا وأوروبا وكلّ العالم، في إظهار رسالة الإسلام المعتدل، والبعدين الحضاري والعلمي. كما أكّد محدث "المساء" بشأن إمامة المسجد، أنّه يجب أن تكون "حاضنة شعبية وليست مجرد مؤسّسة رسمية"، حيث يتم اختيار هيئة الإمامة بتطبيق معياري التنوع والتمثيل الوطني، أي أئمة من الجهات الأربع للوطن، وكذا معيار الكفاءة، مشيرا، من جهة أخرى، إلى أنّ هذا الصرح ذا الوظائف المتنوعة، لابد أن تحترم فيه كل الضوابط، ومنها في الجانب السياحي، لاسيما أنه ستكون هناك محلات، فلا يحل أن يتحول المكان إلى سوق تعلو فيه أصوات التجار على صوت المتعبّدين ورواد بيت الله. عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين: سيكون أعظم من الأزهر والزيتونة والقيروان يتوقّع رئيس جمعية العلماء المسلمين، عبد الرزاق قسوم، أن يكون جامع الجزائر أعظم من جامع الأزهر بمصر والزيتونة بتونس والقيروان بالمغرب والمسجد الأزرق وآيا صوفيا بتركيا، شريطة أن يقوم بالدور المنوط به على أحسن وجه وكما هو مسطّر له، مشيرا إلى أنّ اختيار الفاتح نوفمبر لتدشين جامع الجزائر له عدة معان وخطابات عدة للإنسانية قاطبة وإلى الجزائريين بصفة خاصة، أولها أن هذا الصرح الديني يخلد الحضارة الإنسانية الإسلامية في الجزائر، كونه يبيّن أنّ الجزائر تملك الآن أعظم مسجد بعد الحرمين الشريفين وهذا تخليد للشهداء والمجاهدين والمثقفين وتخليد بالتالي الحضارة الجزائرية بكيفية عظيمة، وثانيا أنّ المكان الذي بني فيه المسجد مرتبط بحملات التبشير التي كان يقوم به الكاتدرائي "لافيجري" الذي كان يخطف الأطفال ليحوّلهم عن عقيدتهم مقابل كأس حليب وقطعة خبز، فجاء اسم "المحمدية" بعد الاستقلال ليعيد العقول إلى أهلها والناس إلى ذاتهم وهذا في حذ ذاته ذا معنى عظيم. الشيخ جلول حجيمي أمين عام تنسيقية الأئمة: لابد أن تكون مشيخة المسجد راقية ومستقلة ذكر الشيخ جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، ل«المساء" أنّ المسجد الأعظم لابد أن يكون مصدر إشعاع إقليمي وعالم، تسيره مشيخة ذات كفاءة علمية راقية، لها استقلالية اتّخاذ القرار، وتلتزم بالخط الوطني والمرجعية الدينية المتمثّلة في المذهب السني المالكي.