جورج سعادة أستاذ الأدب العربي بجامعة لبنان، كاتب وشاعر، له العديد من الروايات والدواوين الشعرية والدراسات الجامعية، سيصدر له في المستقبل القريب مجموعة من الأعمال من بينها روايتا "أحلام ضائعة" و"حرب وحب"، "المساء"التقت بالأستاذ جورج سعادة أثناء مشاركته في فعاليات الملتقى العربي الثاني للأدب الشعبي بالجزائر وأجرت معه هذا الحوار: - المساء: كيف يستطيع الأدب الشعبي أن يجمع بين الدول العربية التي فرقت بينها السياسات؟ * جورج سعادة: إذا كانت الدول العربية قد افترقت سياسيا ولأسباب مختلفة فإن الأدب الشعبي يستطيع أن يجمع بينها، فإذا كان الجامع من فوق أمرا صعبا فإن الجامع من تحت أمر أسهل وهكذا نلاحظ أن بين كافة الدول العربية المشاركة في هذا المؤتمر لقاءات حميمة جدا ومحبة وود وهذه هي الفائدة الأولى في موضوع الأدب الشعبي ثم الفائدة الثانية في مثل هذه المؤتمرات هي أن نعمل على إحداث التواصل بين اللهجات المحلية من خلال التأكيد على القواسم المشتركة بينها، حتى تستطيع اللغات المحلية أن تشكل نواة معينة لتلاقي الشعوب العربية على مستوى اللغات العامية لان لا أحد يستطيع ولا قرار يمكن أن يلغي اللغات الشعبية باعتبار أن هذه اللهجات هي من الحياة فهل يستطيع أحد أن يلغي الحياة؟ - هل يمكن أن ننتقد الأدب الشعبي؟ * أعتقد أنه يجب إقامة معاهد للذين عندهم نوع من الملكة في الأدب الشعبي، أن ننشئ معاهد نعلمهم وندربهم على طواعية الصورة ورقة الأسلوب ونلفت نظرهم إلى الأخطاء ونشجعهم على الجمال والصواب، أما أن نترك الشعر الشعبي وكأنه في بادية أو غابة فهذا الأمر ينتقص من مستقبله، الشعر الشعبي جدّي وهناك أشياء يجب تشذيبها، مثل الشجرة التي تتطلب تشذيب أغصانها حتى تصبح أفضل. - وماذا عن ترجمة الشعر الشعبي أحد أهم عناصر الأدب الشعبي؟. * الشعر إجمالا لا يترجم، لأن الفكرة والصورة مرتبطة باللغة ولكل شعب خاصيته في مسألة الخيال والنظرة إلى الحياة والوجود لذلك اعتقد أن ترجمة الشعر هو نوع من تقمص هذا الشعر، مثل أن تترك جسدا وتتحوّل إلى جسد آخر، الأمر ليس من السهل استيعابه ولا يمكن أن ننقل الشعر كما هو في أصله، فالكتب العلمية مثلا إذا عربناها تفقد قيمتها وهي علمية، فلا يمكن أن تعطي نتائج جيدة لان هذه اللغة العلمية كل يوم فيها الجديد ولا تستطيع الترجمات أن تتابع كل هذا التجديد. - في كل دولة لغة فصحى رسمية وهناك لغات شعبية، ولكن قد تختلف كثيرا اللهجات الشعبية في الدول العربية عن الفصحى؟ * نعم قد تختلف كثيرا ولأسباب مختلفة وكثيرة، أولا كانت هناك قبائل متباعدة وانظري إلى الجزائر بلد واحد وفيه لهجات ولغات مختلفة وهذا يعود إلى طبيعة الأساس بحيث أن هناك قبائل في أماكن متفرقة، ثانيا صادف دخول أجنبي كثيف في الشرق العربي والشمالي أيضا و هذا طعّم اللغات الأصلية بلهجات أو لغات أو تعابير أو ألفاظ أجنبية كما حدث في العصر العباسي مثلا. - إذا كانت الثقافة الجامع الوحيد بين الدول العربية فلم لا تتخذه طريقا؟لم هذا التباعد والتنافر بين الدول العربية؟. * الثقافة ليست الجامع الوحيد بل هي احد الجوامع التي يجب أن تكون حتى تؤمن الاتصال، طبعا الخلافات السياسية قائمة في كل العالم لكن نحن لا يحق لنا أن نختلف إلى هذا الحد باعتبار أن الأخطار المحيطة بالعرب والطمع الذي يساور الأجانب تجاه الثروات العربية لا يسمح لنا بان نظل متفرقين شيعا ومذاهب وأديان، فليكن الإنسان هو الأساس ولننتمي جميعنا إلى الإنسان ولنحيي حقوق الإنسان وما تبقى يصبح تفاصيل.. - وكيف للمفكر أن يقوم بدوره الريادي في زمن الانحطاط الذي نعيشه؟. * ليس بالأمر السهل لأن الوعي يجب أن يكون شعبيا والمفكر يحتاج إلى قاعدة، هو يصنع بعض القاعدة ولكن القاعدة يجب أن تفعل في الأزمات وهي لا تفعل، يعني بمعنى آخر أنا أخرّج طلابا جامعيين أبث فيهم روحي وأفكاري وكتاباتي ولكنني لست على يقين بأن ثمار هذا التوجه ككم تنضج قريبا أو كثيرا، كما يجب أن يصل إلى سدة الرئاسة في أي دولة من الدول العربية إنسان مفكر واع مخلص غير متعصب إلا لوطنه وللأمة العربية، أما الإنسان المفكر كفرد فإنه في معظم الحالات ينطوي على نفسه ويتراجع ويشعر بالخيبة وتراجعه هذا يزيد في الخيبة وتأخر الشارع، ومع ذلك أقول أنه يجب أن تتضافر الجهود ويكثر النتاج الفكري ولا يمكن أن نقول أن العرب مازالوا كما كانوا منذ عشرين سنة لا بل العرب تطوروا فالجزائر تطورت ولبنان سريع التطور يلحق الأشياء الجديدة قبل أن تشتريها في باريس والأمر ينطبق على دول عربية - وأنت تتكلم عن لبنان، كيف يمكن لبلد عرف بالطباعة وسرعة التطور أن يعيش أزمات داخلية بهذه الحدة؟ * هذا الموضوع يتطلب بحثا مستفيضا لأن أكبر محللي الدبلوماسية يغرقون في الرمال اللبنانية ولا يعرفون كيف يخرجون، لبنان حصيلة شعوب هربت من الشرق واستوطنت لبنان لذلك فهي تحمل في جيناتها منذ مئات وألوف السنين مصائب ومخاوف كثيرة، وهناك جماعات في لبنان تعيش أزمات وجود فهي لا تخاف على امتيازاتها بقدر ما تخاف على وجودها، وهناك أقليات خائفة حتى داخل التركيبة الإسلامية فهناك شقاق واضح بين السنة والشيعة، بين العلي والسني، هنا أشياء كثيرة في لبنان ولكن عندما تهدأ الحرب ويتوقف الرصاص يتواصل اللبنانيون في الليالي والسهرات والعلاقات الثقافية والاجتماعية ولكن تبقى هناك أشياء طائفية و إذا أحسنت الدولة في التصرف يمكن أن تنمحي مع الأيام،وأنا اعتقد أننا قادمون على التراجع في مسألة الطائفية ولكن إسرائيل تلعب دورا ضد توحد اللبنانيين إلا أن لبنان بلد لا يصلح إلا للحب والشعر والجمال و لا يصلح للحرب. - إذن التأثير الثقافي هو أقوى من التأثير السياسي حتى في لبنان؟ * العلاقات الثقافية إجمالا لا تدخل في المتاهات السياسية، فالعلاقات السياسية أحيانا تكون جيدة وأحيانا تكون سيئة، حتى الخصوم يلتقون ويتفاهمون على أشياء ولا يتفاهمون على أشياء أخرى، العقدة في لبنان هي الخوف من الإلغاء خصوصا لدى المسيحيين وهم لهم دور فاعل في النهضة في لبنان، مصر وحتى في سوريا. - هل حدث وأن تعاديت مع مثقف لبناني آخر فقط لأجل مواقفكما السياسية المختلفة؟ * أبدا فمثلا الأديب جورج زكي الحاج الذي شارك أيضا في الملتقى وهو أيضا نقيضي في السياسة لكن في المقابل نحن كالأخوة في لبنان وخارجه، وقد قال لي يوما"أخي كل مرة تتغير الأوضاع فلماذا نتخاصم نحن؟، نعم فبالنسبة لي الإنسان أهم من السياسية وقد كان يقول لي أستاذ جامعي لا تصادق إنسانا لأسباب سياسية بل لأسباب إنسانية" وأنا دائما أطبق هذا القول فالسياسة شيء والإنسان شيء آخر والإنسان يصل إلى حدود الإنسان والسياسة تموت في أقرب شارع. - وكيف للمفكر اللبناني أن يبرز مثل هذه المواقف ؟ * المفكر اللبناني يعيش أزمة، ليس فقط المفكر بل الإنسان اللبناني يعيش أزمات متنوعة، اقتصادية، سياسية، أمنية، نحن نخاف على أولادنا إذا خرجوا ليس بشكل حاد ولكن هناك مفاجآت لا نعرفها قد يحدث انفجار أو اغتيال وكل هذه الأمور تسمم الأجواء والآن ليس هناك في لبنان اتفاق قائم على مستقبل الدولة. - هل تعتقد أن الأدب العربي ما يزال يحتفظ بمستواه؟ * في الواقع لم يعد الأدب يحتفظ بمستواه، فلم يعد الطالب طالبا باحثا ومفتشا عن اللغة وسلامة اللفظ والتركيب، أصبح ابن الانترنيت والكمبيوتر، أولادنا يقضون معظم أوقاتهم على الانترنت أكثر مما يقضونه في البحث عن كتاب يقرؤونه أو لغة يتقنونها. - إذن كيف تحبذون الأدب لابن الانترنيت؟ * نسعى بأن نتشدد في الامتحانات وأن نلفت الطالب إلى قراءة بعض الكتب التي لها بلاغتها وليقرأ أيضا ما يريد، فالمهم أن يقرأ.