الضعف الذي أصاب الأمة العربية وأتى على لحمها وعظمها، فلم يترك لها عصبا إلاّ أصابه، ولا صلبا إلاّ أذابه، وفعل فيها الأفاعيل حتى غدت مجرورة مكسورة، تنتهك أرضها وسماؤها، وتهتك حرمتها ويسفك دمها، وهي على كلّ ما يفعل فيها مازالت تتصارع على وهم السيادة والزعامة، شيوخها وزعماؤها يتخاصمون ويتصالحون، ويتعاتبون ويتشاتمون، والقدس تؤخذ من أرضهم أخذا وأهل غزّة يسومهم بنو إسرائيل العذاب كلّه، فخسفوا بهم الأرض خسفا، وكسفوا عليهم السماء كسفا، فهل هناك ضعف أكثر مما أهاننا وكنّا أعزّة؟، وهل هناك جبن كسانا مذلّته أكثر من جبننا أمام المغضوب عليهم من بني إسرائيل الذين استعبدونا للثور الأمريكي وجعلوا من كثرتنا قلّة؟ ها نحن نحتفل بالقدس عاصمة لثقافتنا المقهورة، ونفكّك الأقصى من أركانه، ومسجد الصخرة من بنيانه، ونجمع ما ترك صلاح الدين من تاريخ المقاومة حتى لا يقرأ ونكتفي بتصويره سينمائيا واستحضاره خياليا، حتى تلك الأنفاق المحفورة ردمناها، وتلك المعابر أغلقناها فصدق الشاعر السوري حين قال : "هل أتتك الأخبار يا متنبي بأنّ كافورا فكك الأهراما يصيح في مصر كالديك وفي القدس يمسح الأقداما" ولم تعد الأقدام أقداما، بل أضحت حوافر يتمسّح على أظلافها المتصهينون، ويتودّد لقرونها المتودّدون، فأصبحت أذنابها تأمر، وأنيابها تؤجر حتى غدونا لجلب ودّها يضرب بعضنا بعضا. القدس عاصمة الثقافة العربية، وأية ثقافة؟ هل التي نستظل من خلالها بظلّ التاريخ الذي يلعننا، أم بظلّ ما هدّمته إسرائيل ليجمعنا متشرّدين نبحث عمن يأخذ من أعدائنا حقوقنا ويتوسّط لنا عند عدوّنا ليرحمنا من عذابه مقابل أن نؤدّي له فروض الطاعة وندفع له الجزية النفطية التي بها يشوي جلودنا، ومن حميمها يصهر بطوننا. صلاح الدين أيها التاريخ المحمول جوّا والذي يقصفنا كلّ مساء، هل نوشحك بوسام قصيدة باكية، أم نستصرخك صرخة أم شاكية، كلّ الخيول التي أتعبتها استراحت في مرابط الجبن، وكلّ السيوف التي سللتها بيعت في أسواق الغبن، والقدس قصيدة شعرية يتلوها الجبناء منا كلما عسفت بهم نداءات الأطفال، وصفعت وجوههم المعاد تركيبها أكف الإذلال. امض صلاح الدين وحدك فأنت دون كيشوت العرب الأخير.