محمد يعقوبي في كل مرة يخطب فيها حسن نصر الله، تتجلى للشعوب العربية والإسلامية ملامح زعيم عربي موهوب، هادئ النفس، قوي المنطق، شجاع الكلمة، لا يزيد ولا ينقص من تفاصيل المعركة شيئا، بل تراه واقعي الخطاب، منهجي الطرح، يطلق رسائل عاصفة بهدوء قاتل، ويقصف بالكلمات ما عجزت عن إصابته صواريخ المقاومة في حيفا وما بعدها.. حسن نصر الله هو طبعة واقعية لشكل جديد من الزعامة والقيادة والصمود، رجل لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يقول، واع بأبعاد الصراع، مسيس حتى النخاع، وعلى جبينه مسحة وقار لا نجدها عند الكثير من المراجع الدينية المفصولة عن واقعها، ورغم كونه جاء في مرحلة نكسة حقيقية ترتبت عن فقداء الأمة ثقتها في أي نوع من الزعامات الفارغة التي ترغي وتزبد ثم لا يكون إلا ما يريد العدو، إلا أن نصر الله إستطاع أن يصمد ويضرب حيفا وما بعدها كما وعد، واستطاعت سواعده المقاومة في الجنوب أن تقهر الآلة الحربية الإسرائيلية، حتى أن غالبية القتلى والمصابين اليهود يتم تهريب جثثهم وهم ملقون على بطونهم، لأن المقاومة اصطادتهم وهم يفرون من المعركة كما طرائد الصيد في البراري والصحراء. مشكلة الشعوب العربية والإسلامية على مدار العقود الماضية أنها بقيت مرتهنة بين يدي زعامات وهمية تقول ما لا تفعل وتدعي ما لا تملك وتعد بما لا تستطيع، زعامات لم تكن تصدر لشعوبها سوى زوابع من العاطفة والتثوير والهيجان الشعبي، وعندما تأتي المعركة ينقشع الدخان ولا يبقى سوى الرماد، زعامات كانت تقول لشعوبها على مدار العقود الماضية إنها سوف ترمي إسرائيل في البحر وتسترجع فلسطين في غزوة واحدة، لكن الذي حصل أن إسرائيل هي التي رمت القضايا العربية والإسلامية في عرض البحر واشترت ولاءات حكام البلاد العربية الأكثر التساقا بجبهة النار حتى لم يبق للشعوب العربية والإسلامية سوى أطفال الحجارة في فلسطين وسواعد المقاومة في العراق يثقون بهم ويعولون عليهم في الدفاع عن كرامة الأمة ومستقبلها.. نوع آخر من الزعامات عانت الأمة من الارتهان بين أيديهم ولا تزال، ويتعلق الأمر بقيادات وحكام مسلوبي الإرادة يبيعون ويشترون في سيادة بلدانهم وكرامة شعوبهم فيخدمون مصالح إسرائيل من حيث يدرون أو لا يدرون ويشتغلون في صالحها حتى وهي تضرب المدنيين بأطنان من القنابل، هؤلاء الذين وصفوا المقاومة بالمغامرة وقالوا إن قصف إسرائيل للأبرياء في بيروت ليس سوى خطئ، وزعموا أن مشروع المقاومة هو أجندة خارجة عن مصلحة الأمة العربية والإسلامية.. سواء إنتصر خطاب نصر الله أو كسرت شوكة المقاومة وظل خطابه منتصرا، فإن طريقا ثان لاسترجاع الحقوق المغتصبة قد تجلى للشعوب.. غير السلام المغلف بالاستسلام، ووحدها هذه تكفي لنقول إن حزب الله قد انتصر حتى لو انهزم لا قدر الله.