❊ النزاع الذي طال أمده لن ينتهي أبدا بالتقادم ولا بالأمر الواقع دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أول أمس، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والمملكة المغربية للانخراط في محادثات "مباشرة وجادة"، تحت إشراف الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة، مؤكدا على أن حل هذا النزاع لن يأتي سوى عبر عملية سياسية تحتكم إلى المبادئ الرئيسية التي قامت عليها المنظمة القارية. وقال الرئيس تبون في مداخلة عن طريق تقنية التحاضر عن بعد، خلال اجتماع مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي بخصوص البند الخاص بالصحراء الغربية "تتاح لنا الفرصة الآن لدراسة الأوضاع الخطيرة في الصحراء الغربية، آملين أن تفضي مداولاتنا إلى تدابير عملية وفعالة لبلورة حل دائم لهذا النزاع الذي طال أمده، والذي لن ينتهي أبدا بالتقادم ولا بالأمر الواقع". وأوضح رئيس الجمهورية أن الاجتماع يهدف إلى تهيئة ظروف وقف جديد لإطلاق النار بين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والمملكة المغربية والعمل على تحقيق حل عادل ودائم يكفل حق تقرير المصير للشعب الصحراوي ويطوي آخر ملفات تصفية الاستعمار في إفريقيا. وأشار إلى أن إفريقيا التي تغلبت بالأمس على الاستعمار الأوروبي بصفة عامة بنضالها السياسي وكفاحها المسلح في بعض الأحيان والتي أسقطت النظام العنصري "الأبارتيد"، بقي لها اليوم سوى القضاء على آخر بؤرة استعمارية في القارة. دعوة "مينورسو" للتصدي لخروقات حقوق الإنسان الصحراوي وطلب الرئيس تبون من المنظمة الإفريقية ضم صوتها لصوت الجزائر لطلب تعيين ممثل الامين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية فورا، كما طالب الأممالمتحدة وبدعم من الاتحاد الإفريقي بإعطاء أوامر لبعثة "مينورسو" للتصدي لخروقات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وأشار إلى أن "عدم التكفل بمأساة الشعب الصحراوي الذي ضاق ذرعا من تماطل الأممالمتحدة في تنظيم الاستفتاء المتفق عليه منذ ثلاثين سنة ومن الجمود غير المسبوق للعملية السياسية، كان له الأثر البالغ في تفاقم الأوضاع". ويرى رئيس الجمهورية أنه "لا يمكن للمنظمة القارية التي كان لها الدور التاريخي في إعداد واعتماد مخطط التسوية الأممي أن تظل صامتة ومغيبة أمام هذه التطورات الأخيرة، مضيفا بالقول "من غير المعقول أن تنشب حرب بين دولتين عضويين في منظمتنا ونسمع هنا وهناك أصواتا تحاول تقديم (حجج) واهية لتبريره". وبخصوص "عدم طرح الملف في الاتحاد الافريقي بحجة أن القضية مسجلة في أجندة الأممالمتحدة"، ذكّر السيد تبون، بأن "كل القضايا الإفريقية التي تتطرق لها منظمتنا مسجلة في نفس الوقت أمام الأممالمتحدة وعلى رأسها القضية الليبية". واستطرد قائلا "كل قضايا السلم والأمن في إفريقيا دون استثناء مطروحة على أجندة الأممالمتحدة، غير أن ذلك لم يمنع منظمتنا من تقديم مساهمات قيمة أشاد بها الجميع في سبيل حل هذه القضايا". وفيما يتعلق بمسار تسوية هذا النزاع، أكد رئيس الجمهورية أن "العملية السياسية لحل قضية الصحراء الغربية تحت إشراف الأممالمتحدة تتعرض لحالة جمود غير مسبوقة يصعب تفسيرها، في ظل الآثار الخطيرة لتجدد النزاع المسلح، والمسؤولية الدائمة للأمم المتحدة اتجاه هذا الإقليم". وأشار الرئيس تبون، إلى أن "تواجد اللاجئين الصحراويين في أراضي الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، يجعلنا نلاحظ أن من ولدوا يوم احتلال أراضي الصحراء الغربية هم اليوم رجال (...) ولن يقبلوا بأن يبقوا وأن يموتوا لاجئين في الأراضي الطيبة للجزائر، رغم أننا نرحب بهم لأنهم أشقاؤنا". وأضاف أنه نظرا لانعكاسات هذا النزاع الذي من شأنه تقويض حالة الأمن والسلم في المنطقة برمتها، "وجب علينا تفعيل دور مجلس السلم والأمن عملا بأحكام بروتوكول تأسيسه، لتهدئة الأوضاع والعمل على إيجاد حل دائم وعادل وفقا لقرارات الاتحاد الافريقي والأممالمتحدة ذات الصلة". وأكد أن "المحاولات اليائسة والمتكررة لترسيخ وإضفاء الشرعية على الاحتلال المغربي لأراضي عضو مؤسس في منظمتنا والدأب على إنكار الواقع الصحراوي، والتطلعات المشروعة لهذا الشعب، لن تسهم إلا في إطالة أمد هذا الصراع لما يقرب الخمسة عقود، وبالتالي لابد من التذكير بالمرجعيات والحقائق المكرسة على الصعيدين الأممي والقاري، والتي تؤكد جميعها على أن قضية الصحراء الغربية هي مسألة تصفية استعمار كما صنفتها منظمة الأممالمتحدة". وشدد رئيس الجمهورية على أن "حل هذا النزاع لن يأتي دون عملية سياسية، تحتكم إلى المبادئ الرئيسية التي قامت عليها منظمتنا القارية، خاصة أحكام المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي، والمتعلقة بضرورة احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال والحل السلمي للنزاعات، ومنع استخدام القوة والتهديد بين الدول الأعضاء، وكذلك ضرورة التعايش السلمي مع بعض". وأوضح رئيس الجمهورية، أنه بالنظر لكون الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والمملكة المغربية دولتين عضوين في الاتحاد الافريقي، "فإننا ندعوهما للانخراط في محادثات مباشرة وجادة، يسيرها الاتحاد الافريقي والأممالمتحدة من أجل التوصل لاتفاق جديد لوقف إطلاق النار وتهيئة الظروف الضرورية لتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير". وأعرب الرئيس تبون في الختام عن أمله "العميق في أن تتغلب لغة الحوار والتعقل من أجل إعادة بعث مسار التسوية لنزاع طال أمده وتمكين الشعب الصحراوي من العيش الكريم في كنف الحرية والأمن والاستقرار، بما يساهم في تحقيق طموحات شعوبنا ككل في التقدم والوحدة والاندماج"، مؤكدا أن "تلك هي المثل العليا التي ناضل من أجلها الآباء والمؤسسون لمنظمتنا القارية، ونحن بها متمسكون".