تُعد ولاية وهران أهم الولاياتالجزائرية التي تزخر بمعالم تجعل منها قِبلة عالمية ومحلية للسياح بامتياز، وهي الولاية التي تنتشر بها المعالم السياحية بقوة، والتي تختلف في تاريخها وعمرانها ونمط بنائها الممتذ في أعماق التاريخ وتعاقب الحضارات التي مرت بالجزائر، وتركت بصمات لا يمحوها الزمان؛ ما جعلها ملتقى للحضارات، ومنه برزت الحاجة إلى إنشاء مسارات سياحية، تمكنت من التعريف والترويج للسياحة في انتظار تطوير هذه المسارات السياحية، مع رد الاعتبار للمواقع السياحية بالولاية، التي تبقى بحاجة إلى عناية وتضافر الجهود؛ قصد ترقيتها بما يتوافق والمساعي المبذولة حاليا بالولاية من طرف عدة متدخلين؛ من إدارات ومسؤولين وجمعيات ومواطنين، للمساهمة بقوة في خلق طفرة جديدة للسياحة بولاية وهران، والعمل على التوعية والتحسيس، وتنظيم حملات تنظيف، ترد الاعتبار للمواقع المهملة، والتي يمكن أن تكون أحد المواقع التي تستقطب السياح بعد سنوات من الإهمال. تزخر ولاية وهران كمدينة متوسطية وثاني أهم مدينة بالوطن، بعدة مقومات سياحية وتاريخية، تجعل منها قِبلة هامة للترويج السياحي بالجزائر؛ حيث تُعد عدة مواقع بالولاية متاحف على الهواء، تحاكي التاريخ القديم للولاية وتمتزج فيها عدة حضارات داخل نفس المنطقة بما يجعلها توليفة تاريخية لا يمكن العثور عليها في مدينة أخرى. وقد شهدت الولاية منذ سنتين تقريبا، انطلاق أول مشروع لمسار سياحي هام خُصصت له إمكانيات هامة، تم، في إطاره، تكوين مرشدين سياحيين بما يضمن ترويج وتعريف المواطنين بالمعالم السياحية للولاية، واستقطاب السياح؛ حيث لقي المشروع إقبالا كبيرا؛ إذ سجل الديوان المحلي للسياحة نقل 2000 سائح للمواقع الأثرية عبر ولاية وهران بواسطة الحافلة السياحية خلال 3 أشهر من النشاط الذي توقف شهر مارس من سنة 2020، ليعود بعد عدة أشهر من الإغلاق بسبب وباء كورونا رغم حداثة المشروع، الذي خُصص جزء هام منه لتاريخ المدينة للتعريف به، وخاصة منطقة سيدي الهواري الزاخرة بعشرات المواقع السياحية. وتُعد منطقة سيدي الهواري بوهران التي أُدرجت ضمن المسار السياحي للمدينة والتي تشكل معالمها حصة الأسد، من المواقع التي تجوبها حافلة المسار السياحي للديوان الوطني للسياحة، إحدى المناطق التي تمكنت من جمع تاريخ يمتد لمئات السنين، والتي تداولت عليها عدة حضارات تركت بصماتها إلى غاية اليوم. ولعل ما تزخر به المنطقة من معالم يجعلها تضع لنفسها مكانة ضمن المواقع السياحية بامتياز؛ فمنطقة سيدي الهواري التي تم تصنيفها ضمن المناطق المحمية بصدور مرسوم خاص بحمايتها حيث تقرر إدراج حي سيدي الهواري التاريخي بمدينة وهران ك "قطاع محمي" على ضوء مرسوم تنفيذي مؤرخ في 22 جانفي 2015 يتعلق بإنشاء وتحديد القطاع المحمي للمدينة القديمة لسيدي الهواري والصادر في الجريدة الرسمية، ونشر المرسوم الذي أمضاه الوزير الأول الأسبق في 8 فبراير 2015، وينص على "إنشاء قطاع محمي بالمدينة القديمة لسيدي الهواري بولاية وهران، يدعى المدينة القديمة، والذي بتصنيفه يصبح حي سيدي الهواري قطاعا محميا، يحظى بتنظيم خاص بمشاريع خاصة". ويُعد هذا القرار خطوة نحو الحفاظ على التراث، ومنع البناء والهدم العشوائي. كما يتعين على كل شخص أراد البناء بالمنطقة، أن يتماشى ودفتر شروط خاص بذلك. حافلة سياحية تجوب 11 معلما ب 250 دج شهدت ولاية وهران ميلاد انطلاق أول حافلة سياحية، تأتي ضمن مشروع هام لتفعيل السياحة بالولاية بالتزامن والتحضيرات الجارية لاحتضان مدينة وهران ألعاب البحر الأبيض المتوسط. الحافلة التي تم تفعيلها ضمن المسار السياحي بولاية وهران، تابعة للديوان الوطني الجزائري للسياحة "أونات"، والذي بادر في مساهمة منه بهذا المشروع وبالتنسيق مع مختصين في المجال وعلى رأسهم باحثون في التاريخ والتراث الجزائري. وكشف مدير السياحة بولاية وهران بلعباس بلقايم في هذا الشأن، أن المبادرة جاءت مباشرة بعد استعادة مصالح مديرية السياحة لولاية وهران، المكتب القديم للسياحة، والذي تحول إلى صالح الديوان الوطني للسياحة، والذي يستغله في توجيه السياح ودعمهم بالمرشدين السياحيين. والمسار السياحي والثقافي للحافلة يمتد على طول 11 نقطة وموقع تاريخي بالولاية، ينطلق من شارع محمد خميستي، مرورا بمقر الكاتدرائية القديمة وقصر الثقافة، انتقالا إلى حي سيدي الهواري بمعالمه جامع الباشا وقصر الباي وحديقة ابن باديس والحمامات التركية، ثم حلبة الثيران بحي البدر، وصعودا نحو منطقة الأفق الجميل بجبل مولاي عبد القادر بمواقعها الموجودة، والمتمثلة في الحصن الإسباني وكنيسة العذراء، والعودة مجددا إلى وسط المدينة عبر شارع واجهة البحر باتجاه الحديقة المتوسطية، والمرور مجددا بوسط المدينة، وهو مسار يمتد لمدة 3 ساعات كاملة، وبمبلغ رمزي يقدر ب 250 دج مع احتساب تذكرة دخول الحصن الإسباني المقدرة ب 80 دج؛ ما يعني أن ثمن الرحلة سيقدر ب 180 دج. وكان الرئيس المدير العام ل "أونات"، كشف سابقا خلال زيارته لوهران، أنه سيتم دعم الحافلة الجديدة بحافلتين أخريين، وفتح مسارين جديدين داخل المدينة، واستقطاب أكبر عدد من السياح المحليين والأجانب مستقبلا. ويسعى الديوان الوطني للسياحة من خلال مساعيه، لبعث النشاط السياحي بوهران، بفتح خط ثان للسياحة الثقافية؛ من خلال تخصيص حافلة ثانية تجوب مواقع شرق مدينة وهران؛ من فضاءات خضراء وفنادق ومسجد ابن باديس، وغيرها من المواقع الثقافية، غير أن انتشار وباء كورونا حال دون تنفيذ البرنامج الطموح، الهادف إلى خلق حركة سياحية بوهران، خاصة خلال موسم الاصطياف، الذي يعرف توافد المواطنين على ولاية وهران. كما سطر الديوان برنامجا آخر للرحلات السياحية عبر ولايات غرب البلاد، لصالح المواطنين ضمن برنامج خاص، يشمل زيارات إلى الولايات حسب الطلب، وحسب برنامج كان سيسطر لصالح المواطنين، لنقلهم إلى الولايات المجاورة، وحتى ولاية تيبازة، التي كانت ضمن البرنامج، وهو المشروع الذي يبقى ضمن الأهداف المسطرة من طرف الديوان. معالم أثرية نادرة في انتظار رد الاعتبار بالحديث عن منطقة سيدي الهواري يبرز معلم قصر الباي كأول وأهم معلم لايزال قائما بالمنطقة، والذي يعود إلى فترة الحكم العثماني بالمنطقة، والمتميز بنمطه العمراني الفريد، وإطلالته على البحر، وارتباطه بحكايات من حكموه خلال عقود؛ حيث يتهيأ لزائر المعلم أنه يعيش فترة حكم الأتراك بالنظر إلى بقاء المعلم يقاوم وإدراج قصر الباي ضمن المعالم المصنفة والمحمية وفقا للقرار الوزاري رقم 31-010، والمدرج ضمن المرسوم 04-89 الذي صدر سنة 1989 المتعلق بحماية التراث المادي، غير أن ما يعيشه المعلم أصبح يدعو إلى تدخل مستعجل من المسؤولين على الثقافة والسياحة، لرد الاعتبار للموقع، خاصة بوجود دراسة جاهزة لترميم المعلم، وتبرع من شركة "توسيالي" التركية، بالإشراف على عملية الترميم، ورد الاعتبار؛ حيث تعرضت دار الباي لانهيارات، أدت إلى إتلاف أجزاء هامة من السقف الخشبي والجدران واختفاء معالم الصور الفسيفسائية التي تزين الجدران، فيما تعرضت الأرضية لانهيارات، وهو ما وقفت عليه "المساء"؛ حيث تبدو للعيان بالجزء الخارجي للمعلم، انهيارات عدة أقواس إسمنتية، تم دعم بعضها بأعمدة من الخشب، لمنعها من الانهيار. وغير بعيد عن قصر الباي وعلى بعد بعض أمتار من قصر الباي يقبع جامع الباشا بحي سيدي الهواري، الذي شُيد في عهد الباي محمد الكبير الحاكم حسن عام 1797 بأمر من بابا حسن باشا حاكم الجزائر العاصمة، والذي يُعد من بين المعالم السياحية التي تبقى تستقطب زوار المدينة بما يخفيه من آثار، وسعي الكثير من زوار المدينة للصلاة بالمسجد والتبرك به، غير أن الجامع يبقى بحاجة إلى تدخل عاجل للترميم أمام خطر زوال أجزاء هامة من هيكل المسجد والفضاءات التابعة له، بفعل الانهيارات التي تسجل يوميا بعدة أجزاء. ووقفت "المساء" على وضعية المسجد، الذي لايزال مغلقا أمام المواطنين بفعل إدراجه ضمن مشروع للتهيئة والترميم، وهو المشروع الذي لم ير النور. وتُظهر الزيارة الميدانية لموقع المسجد، الخطورة التي لاتزال تعرّض توازنه بفعل ميلان كامل الهيكل باتجاه ممر الوادي، على انحدار قارب 4 أمتار، وهو ما سيجعل الجدران عرضة للانهيار، خاصة بعد أن فقدت قوتها بفعل تآكل الطبقة الإسمنتية التي وُضعت منذ سنوات؛ لتفادي التشققات وتحطم كامل شبكات تصريف مياه الأمطار، التي أصبحت تصب مباشرة فوق الجدران، وعلى سطح البناية القديمة. كما يبدو للعيان درجة التضرر التي طالت منزل الإمامة، والواقع أسفل البناية. وتزخر المنطقة بعدة مواقع، على غرار حصن "سانتا كروز"، وكنسية القديسة بأعالي جبل مرجاجو، اللذين رُد لهما الاعتبار بفضل ميزانية خاصة، ضختها الدولة لصالح الترميمين اللذين طالا الموقعين، واللذين يُعدان شاهدين على الحضارة الإسبانية بالجزائر، ويحكيان تاريخ المنطقة ككل. ويستقطب الموقعان، بشكل يومي، مئات السياح القادمين من مختلف ربوع الوطن، خاصة بعد تفعيل وعودة نشاط الحافلة السياحية، التي أدرجت الموقعين ضمن المسار اليومي للحافلة. جمعية تحقق ما لم تحققه مؤسسات رسمية تُعد جمعية صحة سيدي الهواري الناشطة بداخل موقع الحمامات التركية، من أهم الجمعيات الناشطة بوهران، التي تمكنت خلال السنوات الماضية، من تحقيق إنجازات هامة في مجال الحفاظ على الموروث الثقافي لمدينة سيدي الهواري، خاصة ما تعلق بموقع الحمامات التركية، والتي تم إعادة ترميمها وتأهيلها وفق معايير دولية، فيما يتم، حاليا، ترميم موقع المستشفى العسكري القديم، في وقت تقوم الجمعية سنويا، بتكوين عشرات الشباب من أبناء الحي والأحياء المجاورة، في مجال ترميم المباني القديمة بإشراف من خبراء دوليين، بعد توقيعها عدة اتفاقيات مع هيئات ومنظمات دولية متخصصة في المجال؛ حيث سبق أن استقبلت الجمعيات عدة مختصين من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، قدّموا دروسا نظرية وتطبيقية في المجال، فيما تواصل الجمعية مساعيها لإدماج عدد من المناطق الأثرية بالحي العتيق ضمن الموروث الثقافي، وتصنيفها دوليا للحفاظ عليها. اتفاقية مع الأتراك لإنقاذ المعالم وقّعت الجزائر رفقة السلطات التركية، اتفاقية إطار سنة 2015 بمقر بلدية وهران، بحضور السفير التركي، جاءت في إطار التعاون الجزائري التركي؛ حيث تبرعت شركة توسيالي للحديد والصلب بالقيام بمشروع الترميم، لصالح مسجد الباشا وقصر الباي، وكان يُفترض الشروع مباشرة في تنفيذ عمليات الترميم، غير أنه بمرور الوقت لم تجسد الاتفاقية على أرض الواقع، وسط تساؤلات متتبعي الملف حول أسباب تخلّف الشركة التركية عن تنفيذ المشروع. وقد ربط مصدر من القطاع، مشروع ترميم قصر الباي بمشروع فندق الشاطوناف، والموجود داخل المنطقة المصنفة، التي تقرر تحويلها إلى مقر بلدية وهران، وسط معارضة وزارة الثقافة للمشروع؛ كونه سيضر بالموقع الأثري؛ حيث لم يتم إلى غاية اليوم التوصل إلى حل بالرغم من تقديم مصالح بلدية وهران دراسة شاملة للموقع، مع اقتراح إنجاز ممر علوي لتفادي المرور بجوار قصر الباي، أو القيام بأشغال بناء أو هدم بجوار المنطقة المصنفة، فيما لايزال ملف مسجد الباشا قيد التحضير والدراسة. طالع أيضا/ * تقوم بها جمعية التبادل السياحي بوهران.. تجربة رائدة في الترويج للسياحة المحلية