أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في خطابه للأمة أمس عزمه على مواصلة العمل خدمة لمصلحة الوطن العليا "لا غير"، وجدد استعداده لإشراك كل ما تملكه الأمة من قوى حية في تسيير الشأن العام، محددا أولويات برنامج عمله خلال السنوات الخمس القادمة والتي تتصدرها مواصلة مسعى المصالحة الوطنية وتعميقه وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتنويع النسيج الاقتصادي للبلاد. وأوضح السيد بوتفليقة مخاطبا الجزائريين والجزائريات في أول خطاب للأمة بعد تأديته اليمين الدستورية أن الجزائر تحتاج في هذه المرحلة إلى كل ما لديها من كفاءات، وما يمكنها توظيفه من طاقات موطنة للبذل والعطاء، وأن المقتضيات الأساسية للسياسة الوطنية تتمثل في الوصول إلى تجميع كل هذه الموارد وتوفير الشروط التي تتيح لها تفتيق جميع طاقاتها. وأكد في سياق متصل أنه تلبية لهذه المقتضيات، فقد عقد العزم على مواصلة مسعى المصالحة الوطنية وتعميقه، مشيرا إلى أن هذا المسعى "سانده الشعب الجزائري عن بكرة أبيه وأتاح عودة السلم المدني، ومن شأنه أن يسهم مستقبلا في تعزيز التلاحم الاجتماعي وضمان ديمومة الوحدة الوطنية". وفي حين عبر عن وعيه بالصعوبات التي ما تزال تتخبط فيها فئات عريضة من الشعب "من منطلق إدراك تطلعاتها المشروعة"، أكد الرئيس بوتفليقة أولوية عمل الدولة باتجاه ما دأبت عليه من تحسين لظروف معيشة المواطنين، قائلا في هذا الصدد أنه "إلى جانب جهود التضامن الوطني تجاه الفئات الضعيفة سيبقى السكن وتوفير المياه وشبكات الصرف والطاقة والهياكل الصحية في صلب برامج استثمار هامة". كما التزم بالسهر على تعجيل تحديث المرافق العمومية وترشيد تنظيمها وتسييرها على الوجه الأنسب، مشيرا إلى أنه من حق الشعب الجزائري أن يرجو جني ثمار الجهود الجبارة التي بذلها من أجل إقامة المنشآت القاعدية وتوفير الوسائل اللازمة لتسييرها. واعتبر السيد بوتفليقة أن تشديد الصرامة في التسيير والمتابعة وتطوير روح المبادرة والنظرة الإستشرافية، شروط ضرورية للتقدم المأمول، مؤكدا أنه في سبيل ذلك سيتم الإسراع في إصلاح هياكل الدولة ومهامها مع توخي توزيع جديد للسلطات العمومية على أساس المزيد من اللامركزية الفعلية، التي تحقق التساوق بين المهام المحددة والوسائل الموفرة، "مع إرفاقها بأدوات رقابة ناجعة وانخراط واسع ومسؤول للمواطنين، يعطي لمفهوم الرقابة الشعبية كل مدلوله.." . وعلى الصعيد الاقتصادي وبعد أن سجل بأن الظروف باتت مواتية لمباشرة حركة واسعة لتنويع النسيج الاقتصادي للبلاد وتكثيفه، أشار السيد بوتفليقة إلى أن الدولة ستسعى بكل طاقتها إلى تحفيز هذا النسيج الاقتصادي ودعمه بإنعاش الاستثمار في فروع الإقتصاد العمومي ومن خلال السعي إلى كسر بقايا العراقيل التي قد تكبح المبادرة الخاصة والتشجيع الجبائي للنشاطات التي تدر قيمة مضافة كبيرة وترتكز على الإبداع والتجديد، علاوة على توجيه عمل البنوك نحو تمويل نشاطات الإنتاج والخدمات ذات المضمون التكنولوجي، ومواصلة الانفتاح على الاستثمار الأجنبي المساهم بشكل فعلي في الإنتاج وفي إنماء الثروة الوطنية والتطور التكنولوجي. كما أكد في هذا الإطار أهمية مواصلة وتكثيف محاربة ممارسات المحاباة والمحسوبية ومحاربة الرشوة والفساد التي "تساهم تأثيراتها في جعل الناس يعزفون عن الجد والكد" مبرزا في هذا الصدد أهمية الدور الذي تضطلع به أجهزة الإعلام في محاربة هذه السلوكات. وفي إطار الاعتناء بالأجيال الناشئة ذكر رئيس الجمهورية بالإصلاح الواسع الذي عرفه قطاع التربية الوطنية، مؤكدا الاستمرار فيه على الدوام، إلى جانب مواصلة الجهود المبذولة في قطاع التعليم العالي من أجل تلبية الطلب الكبير الناجم عن تنامي تعداد الطلبة ومواصلة تطوير الوسائل البيداغوجية. وأضاف أنه "امتدادا لهذه المساعي سيتم تكثيف الجهود المتوخية توفير الظروف المواتية لانطلاقة البحث العلمي انطلاقة حقيقية". وتطرق الرئيس بوتفليقة إلى الجهود المبذولة في إطار الإدماج الاجتماعي للشباب، حيث ذكر بارتفاع عدد المتربصين في التكوين المهني خلال العقد الأخير بثلاثة أضعاف، مؤكدا بأن هذا المسعى العمومي سيتواصل بالتركيز على توسيع الإمكانات مجددا وعلى التنويع في التكوين ومرونة أكبر في البرامج، "بما يجعلها تستجيب لحاجات الإقتصاد إستجابة أوفى". وبالمناسبة تطرق السيد بوتفليقة إلى حالة اليأس التي ترافق مشكل البطالة لدى الشباب، مجددا التزامه بتحقيق هدف رئيسي، يتمثل في إنشاء ثلاثة ملايين منصب شغل خلال السنوات الخمس المقبلة، مع السهر باستمرار على تسخير كافة وسائل النشاط العمومي لتحقيق هذا الهدف الذي سيتيح إدماج الأغلبية الساحقة من الشباب مهنيا وفتح آفاق مشرقة في وجه الجميع. وإلى جانب التكفل بالإدماج المهني، ستسهر الدولة على حد تأكيد القاضي الأول في البلاد على أخذ ما تبقى من حاجات الشباب، لا سيما من خلال مضاعفة فضاءات التسلية والترفيه وتشجيع النشاطات الرياضية والثقافية، وإشراك هذه الفئة في تصور هذه النشاطات وتنفيذها. وبخصوص الاعلام أوضح رئيس الجمهورية أن حرية الصحافة هي جزء أساسي من المشروع الديمقراطي مؤكدا بأنها ستحظى بالاحترام التام، وان الدولة ستبقى حريصة على تسهيل ممارسة وتطور المهنة أكثر فأكثر مشددا على ضرورة أن تضطلع الهيئات القضائية بالمهمة الموكلة لها على الوجه الأوفى، كما أشار إلى أن الإصلاح الذي تم تنفيذه أتاح توفير الشروط اللازمة لعدالة أكثر احترافية واستقلالية في أحكامها. وجدد السيد بوتفليقة في الأخير التأكيد على أن الجزائر ستواصل السعي على الساحة الدولية من أجل ترقية عالم أكثر عدلا وتضامنا، وستواصل نضالها في سبيل دمقرطة المؤسسات الدولية، مجددا بالمناسبة مواقفها الثابتة في العالم العربي وفي إفريقيا وفي العالم الثالث ومساندتها لكافة القضايا العادلة، لاسيما منها قضايا الشعوب المكافحة من أجل التحرر على غرار الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي.