تتجه حركة طالبان نحو استعادة حكمها على أفغانستان الذي فقدته قبل 20 عاما تحت ضغط مدفعية الجيش الأمريكي الذي احتل هذا البلد، بحجة محاربة الإرهاب بعد تفجيرات ال11 سبتمبر وينسحب منها اليوم بدعوى أنه حقق المراد في بلد لا تزال لغة الرصاص هي السائدة فيه. فبعد 20 عاما على طردها من الحكم مكرهة بقوة النار، تعود طالبان اليوم إلى كابول لفرض سلطتها التي أصبحت مسألة وقت، قد يكون خلال أيام قليلة أو لساعات معدودة بقوة النار أيضا، في مشهد ينطبق عليه مقولة "وانقلب السحر على الساحر". وبين أنباء عن محاصرة مسلحي طالبان للعاصمة كابول التي يوشكون على دخولها وتثبيت أنفسهم على كرسي السلطة مجددا وأنباء عن فرار الرئيس أشرف غني، انقلبت رأسا على عقب المعادلة السياسية والعسكرية في أفغانستان، التي لا يزال شعبها يعاني من الفوضى ويفتقد للاستقرار والأمن الذي لا طالما حلم به. بل وازدادت مخاوفه من عودة نظام طالباني عرف بسلطته الصارمة وقبضته الحديدية التي يرى فيها البعض أنها تخنق الحريات وترفض الآخر من غير نفس الدين والايديولوجية. ويبدو أن طالبان التي أعلنت، أمس، أنها تريد استعادة حكمها في أفغانستان عبر تسليم سلمي للسلطة لن تواجه أية مقاومة لا من قبل قوات الأمن الأفغانية التي بدأ مسؤولوها يستقيلون تباعا ويتركون أماكن عملهم خوفا من طالبان، أو حتى من نظام أشرف غني بعد تأكيد عبد الله عبد الله نائب الرئيس السابق أمس بأنه قد غادر البلاد. ومن موقع قوة خرج، سهيل شاهين أحد المتحدثين، باسم طالبان وأحد أعضاء وفدها المفاوض بالعاصمة القطرية، الدوحة، ليعلن في تصريح لشبكة "بي. بي. سي" الإعلامية البريطانية، بأن الحركة "تريد خلال الأيام القادم تسليمها السلطة بطريقة سلمية، مستعرضا في ذلك الخطوط العريضة لاستراتيجية حركته في إدارة الحكم في أفغانستان، أولاها تشكيل حكومة إسلامية جامعة تمثل كل الأفغانيين، قبل أن يضيف بلغة الواثق من الاستحواذ على السلطة في أقرب وقت "سنتحدث عن المستقبل عندما يتم النقل السلمي للسلطة". والمؤكد أن طالبان التي تريد تسليما سلميا للسلطة لا تريد أن تظهر في أعين العالم بأنها استولت على الحكم بالانقلاب وتسعى لأن تكون انطباعا جديدا عنها كحركة دينية متشددة لكنها تتقبل الآخر ومنفتحة على العالم. وهو ما جعل المسؤول الطالباني يبعث برسائل طمأنة للغرب أكد من خلالها أن السفارات وموظفيها لن تكون محل استهداف من قبل مسلحي الحركة وانه لا يوجد أي خطر يهدد الدبلوماسيين والمنظمات الإنسانية والأشخاص وما على هؤلاء سوى مواصلة أنشطتهم بشكل عادي كما كانوا يفعلون ملحا التأكيد بأنه "لن يمس هؤلاء أي سوء ويجب عليهم البقاء". وألح المسؤول الطالباني، على السلك الدبلوماسي الغربي بالبقاء في مقار ممثليات بلدانهم في ظل ما تشهده كابول من اغلاق للسفارات وعمليات اجلاء ومغادرة للموظفين والعاملين فيها، مخافة تعرضها لنيران مسلحي الحركة. وضمن مسعى لتبديد المخاوف من عودة حكم طالبان بعد 20 سنة من الإطاحة به، قال شاهين أن الحركة تريد الآن فتح "فصل جديد من التسامح والعمل مع جميع الأفغان في اطار السلام والتسامح والتعايش السلمي ووحدة وطنية للبلاد والشعب الأفغاني" في رسائل طمأنة موجهة الى الداخل الأفغاني الذي بدأ يتوجس خيفة من عودة نظام طالبان كحركة دينية متشددة. يذكر أن طالبان شنت حملة عسكرية شرسة خلال الأشهر الأخيرة مستغلة انسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد والتي ألقت بالمسؤولية على قوات أفغانية فشلت في أداء مهامها بعد 20 عاما من الخطاب الأمريكي بتدريبها وتجهيزها لمثل هذا الظرف. وهو ما مكن طالبان من فرض سيطرتها على أهم المحافظات الاستراتيجية في البلاد في انتظار اعلانها على تربعها على عرش السلطة في كابول.