عبّرت الهبة التضامنية الي أبان عنها الشعب الجزائري خلال الاحداث الأليمة التي عاشتها البلاد، إثر نشوب حرائق في عدة مناطق من البلاد في ظرف زمني متسارع، عن التمسك باللحمة الوطنية التي كانت بمثابة السلاح القوي في صد المستعمر وشتى الدسائس والمؤامرات التي حيكت ضد الجزائر على مر الزمن، إذ سرعان ما فشلت ورقة الجهوية والعرقية مرة أخرى لأطراف حاولت إشعال فتيل الفتنة، مثلما أشعلت الحرائق في منطقة القبائل بشكل لافت، لتتناثر بذلك مخططاتها بين رماد الدمار الذي ألحقته بحق الإنسان والطبيعة والحيوان. لطالما كانت الوحدة بين الجزائريين بمثابة غصّة في حلق كل من فشل في استهداف البلاد، كونها شكلت لعقود من الزمن صمام الأمان والحصن المنيع في صد مختلف المكائد، مثلما أكد على ذلك رئيس الجمهورية، بمناسبة إحياء الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام، حيث دعا إلى جعل الهبة التضامنية رصيدا يعزز الوحدة الوطنية ومكسبا لبناء جزائر متضامنة موحدة وقوية.وقد أعرب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق السعيد شنقريحة، في المنحى ذاته عن قناعته بأن التضامن والتآزر الذي أظهره الشعب الجزائري خلال هذه المحنة، يعد بمثابة سند للجيش الوطني الشعبي في إحباط المؤامرة "المتكاملة الأركان " التي حيكت ضد الجزائر وشعبها، حيث لم تفلح الخطابات المسمومة لبعض الأطراف في جر الشعب إلى ما لا يحمد عقباه. يأتي ذلك في الوقت الذي شدد فيه وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، على أن تلاحم الشعب الجزائري في مجابهة الحرائق التي أضرمتها يد الغدر، ما هو إلا امتداد للوحدة والتلاحم الذي انتهجه الأجداد لدحض المستعمر الغاشم بعد أن انتهج ذات السبل بإهلاك الأرض والنسل في سبيل زرع الفتنة والشتات بين أبناء الوطن الواحد. وحرص وزير الاتصال عمار بلحيمر، من جهته على إضفاء البعد التاريخي على صور التلاحم بين أبناء الشعب الجزائري، بمناسبة إحياء الجزائر لذكرى 20 أوت، مؤكدا بأن الهبة التضامنية التي أبهرت العالم، تعكس شيم الشعب الجزائري المتفردة في الوحدة من منطلق أن دروس الماضي كانت كفيلة بتلقين الجزائريين أن "اليد الواحدة والصف المرصوص هما صمام أمان للجزائر، التي ورغم كيد الكائدين ومكر الماكرين تظل واقفة بفضل وعي وحب وتضحيات أبنائها، لاسيما من أفراد الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني". وأجمعت مختلف الفعاليات في الساحة الوطنية على أن حملات التضامن الواسعة مع المتضررين وضحايا الحرائق، ما هي إلا مثال في الدفاع عن اللحمة الوطنية التي حرص أبطال الثورة التحريرية على تكريسها بين فئات الشعب التي وضعت اختلافاتها الايديولوجية جانبا، حيث اختارت الالتفاف حول هدف واحد هو النضال من أجل الاستقلال. فإذا كان العديد من المؤرخين يصنّفون الثورة الجزائرية على أنها معجزة القرن، كونها تغلبت على أعتى قوة عسكرية في العالم آنذاك رغم اختلال موازين القوى بين الجانبين، فإنهم وقفوا أيضا عند السر الذي جعل الشعب الجزائري يقف وقفة رجل واحد للتصدي لهذا المستعمر الذي لم يفلح في كسر عزيمة الثوار وإرادتهم القوية في تحقيق الحرية والاستقلال بأسلحتهم البسيطة، مفضّلين الاستشهاد والموت في سبيل الوطن على العيش في الذل والمهانة.وبلا شك فإن أقوى سلاح حرص عليه الشعب الجزائري إبان الثورة التحريرية، هو ضمان الوحدة والتلاحم بالنظر الى التنوع الثقافي والعرقي داخل المجتمع والمساحة المترامية الاطراف للبلاد، حيث لم يأل المستعمر جهدا في اللعب على هذه الورقة على مستوى منطقة القبائل مثلا، باقتراحه منح ساكنتها الاستقلال وحتى تقسيم الجزائر بين الشمال والجنوب، غير أن مخططاته سرعان ما سقطت في الماء بعد أن رد عليها الثوار بمعارك شرسة أفقدته صوابه. بل إن ذلك زاد من قوة النفوس الثائرة ضد ظلم المستعمر، حيث راحت أرض الجزائر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها تنجب المزيد من الأبطال، على غرار ما أنجبته منطقة القبائل التي قدمت خيرة أبنائها في سبيل أن يرفرف علم الجزائر الواحد الموحد عاليا. وما كان للثورة التحريرية أن تنجح وتترك بصماتها في التاريخ المعاصر لولا تمسك فئات الشعب بالهدف الواحد دون خلفيات عرقية أو أيديولوجية، حيث يروي مؤرخون كيف أن الشهيد البطل عميروش، كان صارما تجاه كل من يحاول التلفظ بكلمات جهوية في حديث المقاومين، من منطلق أن الوضع الذي كانت تعيشه الجزائر آنذاك يقتضي الالتفاف حول هدف محاربة المستعمر وتحقيق الاستقلال الوطني دون غير ذلك. فالثورة الجزائرية نجحت بفضل إرادة وقوة وقناعة أبنائها بالقضية وليس بمدافع ودبابات فرنسا الاستعمارية، ويكفي ان نستشهد في هذا الصدد بالمقولة الشهيرة لقاهر جنرالات فرنسا الشهيد العربي بن مهيدي، "إذا ما استشهدنا دافعوا عن أرواحنا، نحن خلقنا من أجل أن نموت لكي تستخلفنا أجيال لاستكمال المسيرة". ويدرك المخططون والمتآمرون جيدا أن النيل من أرض وشعب ما، لا يكمن في امتلاك أسلحة متطورة فقط، بل باللعب على وتر العرقية والجهوية والإيديولوجيات الدينية والتي بسببها اضحت العديد من الدول تعيش فوضى لامتناهية و حالات اللااستقرار، غير أن مثال التلاحم الذي قدمه السلف كفيل بأن ينهل منه النشء والخلف للوقوف كسد منيع أمام المتربصين بوحدتهم وباستقرار وطنهم الجزائر.