كعادته، يتحدث الأستاذ محمد الهادي الحسني بحماسة، عن تاريخنا الوطني؛ قال ل "المساء" وهو ينظر من نافذة نادي الترقي بالعاصمة: "انظروا إلى ساحة الشهداء المجيدة، زال منها نصب تمثال دي بورمون الذي غزا بلادنا، وبقي الجامع الكبير شامخا، وكذلك هزم ماكرون الذي تطاول على تاريخنا". وأضاف المتحدث أن مؤرخا رومانيا يدعى شيشرو، قال إن الذي لا يعرف التاريخ يبقى طفلا، ويبدو أن "آخر هؤلاء الأطفال مازال يتحدث". وأكد الشيخ الحسني أن لكل ثورة عنصرين، هما الفكر والعمل المسلح، وغالبا ما يسبق الأول الثاني، بمعنى أن الفكر هو من يهيئ للثورة ويوعي الناس بها، وهذا ما كان مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي أيقظت الوعي الجمعي للجزائريين، وحاربت دعاة الاستعمار من أبناء جلدتنا، الذين كانوا يقولون إن الاستعمار قضاء وقدر، في حين أن الإسلام هو من شرع للجهاد والمقاومة، وبالتالي إعلان الحرب على فرنسا التي حاربت الدين والهوية ولو أن الإسلام لم يهدد فرنسا لما حاربته؛ فهو يحمل كل مقومات المقاومة والنضال، وهكذا يرى المتحدث أن الثورة التحريرية برجالها، أعادت بعث الدولة الجزائرية بعدما حررت الأذهان قبل الأوطان، وأزالت صور العبودية التي أرادت فرنسا ترسيخها في عقول الجزائريين حتى لا يرفعوا رؤوسهم، لتبقى فرنسا، بدون منازع، رائدة الإجرام؛ منذ أن وطئت أرضنا نكّلت، وشوّهت، وسرقت، ودمرت المساجد، ونبشت القبور، ولم تترك منكرا إلا وقّعته بامتياز! كما ذكر المتحدث أن فرنسا خططت لعدوانها منذ 1572 إلى أن جاء ميعادها المشؤوم مع سيدي فرج، وكان هدفها العاجل إسقاط الدولة الجزائرية، ثم محو الأمة الجزائرية، التي هي أصل الدولة، وبالتالي محو مقوماتها، وهذه المهمة لم يقم بها عساكر فرنسا السفاحون، بل قامت بها "النخب الفرنسية"؛ من علماء ومثقفين، لكن علماء الجزائر تصدوا لها، ولاقوا ما لاقوه منذ الشهور الأولى للاحتلال، منهم ابن عنابي أول منفي جزائري في ديسمبر 1830، وكذا المفتي الكبابطي، وصولا إلى القرن العشرين؛ حيث ظهر لأول مرة ما عُرف ب "فقه الاستعمار" مع الشيخ الإبراهيمي، الذي قال إنه "لا أظلم من المستعمر إلا من يقبل به".