وقع وزيرا خارجية السودان والتشاد بالعاصمة القطرية في ساعة متأخرة من ليلة الأحد إلى الاثنين اتفاقا للسلام بين البلدين يفضي إلى إنهاء أزمة إقليم دارفور بوساطة عربية افريقية. وتضمن الاتفاق إقامة مصالحة بين البلدين ينتهي إلى وقف كل منهما مساعدة الفصائل المتمردة لدى الطرف الآخر ومنع تسلل عناصرها عبر حدودهما. ويتوقع أن يضع هذا الاتفاق الأكثر جدية الذي يتم التوصل اليه بين نجامينا والخرطوم حدا للغة الاتهام والريبة التي طبعت علاقاتهما لعدة سنوات ووصلت في العديد من المرات إلى المواجهة المسلحة على خلفية دعم كل طرف لفصائل التمرد في الدولة الأخرى وكان آخرها المواجهات المسلحة التي حصلت في ربيع العام الماضي وأدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على خلفية هجوم مسلح اتهمت فيه نجامينا بالوقوف وراءه أياما بعد هجمات لفصائل التمرد التشادية انطلاقا من الأراضي السودانية. وقد اعتبر التوقيع على الاتفاق بمثابة خطوة كبيرة باتجاه إنهاء الخلافات الثنائية ولكن انعكاساتها ستكون ذات أبعاد إقليمية كونه سيسمح بإنهاء الحرب الأهلية في إقليم دارفور. وينتظر أن تتوج جهود الوساطة العربية الإفريقية هذه قريبا بجلوس الرئيسين التشادي إدريس دبي والسوداني عمر حسن البشير إلى الطاولة بالعاصمة الليبية طرابلس لإعطاء الصفة الرسمية لهذا الاتفاق وبالتالي إنهاء حالة عداء مستمر دامت لعدة عقود وكانت أحد أسباب اندلاع بؤرة التوتر في إقليم دارفور وشجعت سكانه على حمل السلاح ضد السلطة المركزية في الخرطوم وقوت في الجهة المقابلة فصائل التمرد العسكري في شرق تشاد ووصولها إلى مشارف العاصمة نجامينا. ولأن حدة الخلافات بين العاصمتين ليست وليدة اليوم ودرجة تعقيداتها كبيرة فقد استدعى التوصل إلى اتفاق أول أمس بمجهودات دبلوماسية قادها ثلاثة رؤوساء أفارقة من بينهم الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثابو امبيكي والرئيس الليبي معمر القذافي بالإضافة إلى الوزير الأول القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. وقد تأكدت صعوبة التوصل إلى اتفاق اول امس وخاصة أن الاتفاق بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة بالعاصمة القطرية قبل شهر والذي كان أول مؤشر لإمكانية إنهاء الأزمة المسلحة في دارفور ولكنه سقط في الماء كما يقال ساعات بعد ذلك وكرس بذلك صعوبة مهمات الوساطة التي بذلت إلى حد الآن لإنهاء الحرب الأهلية في إقليم دارفور. فهل لنا أن نقول اليوم أن أزمة إقليم دارفور قد خطت فعلا أول خطوة عملية باتجاه تسوية الحرب هناك منذ سنة 2003 بمجرد توقيع اتفاق الدوحة بين السودان والتشاد. والأكثر من ذلك هل سيصمد هذا الاتفاق على خلفية هشاشة اتفاقيات سابقة بدت في البداية جادة في احتواء الخلافات الثنائية وبالتالي انعكاساتها على الوضع في إقليم دارفور وتشاد. ولكن الأهم من ذلك هل أن تسوية أزمة دارفور وتعقيداتها تمر فقط عبر نجامينا كمفتاح الحل الوحيد؟ وهو سؤال يطرح بعد التفاعلات التي وصلتها هذه الأزمة وتشعباتها وتحولها من أزمة إقليمية إلى أزمة ذات أبعاد دولية بدخول القوى الكبرى كطرف فيها ضمن صراع المصالح الذي حركها باطن الاقليم الزاخر بمادة النفط الحيوية. وتبقى هذه كلها مجرد أسئلة يمكن لأي متتبع طرحها ولكن التفاؤل في مثل هذه القضايا يجب أن يسبق أي تحليل آخر. وإذا سلمنا بنجاح المساعي العربية الإفريقية وفق المقاربة المتفائلة لإنهاء هذا النزاع فماذا ستكون عليه مواقف الولاياتالمتحدة والقوى الكبرى الأخرى من هذا الاتفاق الذي سيفضي إلى إنهاء حالة الحرب في دارفور وخاصة وأن صراعا يتم في الخفاء بين مختلف القوى للضغط على الحكومة السودانية عبر بوابة إقليم دارفور لمنحها امتيازات استثمارية برائحة بترولية. والأكثر من ذلك هل سيكون للاتفاق التشادي السوداني وأثره على الوضع في دارفور تغير في مواقف الدول بخصوص أمر اعتقال الرئيس البشير على اعتبار أن كل التطورات الحاصلة الآن جاءت على خلفية أمر التوقيف الذي صدر في حق الرئيس السوداني.