على خطى اتفاق السلام الشامل الذي وقّعه حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان في التاسع جانفي ,2005 والذي وضع نهاية لنحو عقدين من الحرب بين شمال وجنوب السودان، في انتظار ما سينبثق عنه الاستفتاء الموجّه السنة القادمة ليختار من خلاله الجنوبيون بين الانفصال أو البقاء في إطار السودان الكبير، وقعت الخرطوم وحركة العدل والمساواة وهي أكبر حركات التمرد في دارفور اتفاقا للسلام من شأنه هو الآخر أن يضع حدا للتوتر والاقتتال والاضطرابات التي يشهدها الإقليم منذ سبع سنوات. الاتفاق التاريخي هذا جاء كثمرة للانفراج الذي شهدته العلاقات السودانية التشادية مؤخرا فلطالما تبادل البلدان التهم يدعم الجماعات المتمردة المناهضة للبلد الآخر، ولطالما اتهمت الخرطوم نجامينا بدعم ومساعدة المتمردين، على اعتبار أن المناطق الشرقية من التشاد تقطنها مجموعة عرقية شبيهة بتلك التي تسكن دارفور وهي تتدخل بزعم حمايتها. كما جاء الاتفاق أيضا كنتيجة للجهود الكبيرة التي بدلها الرئيس السوداني عمر حسن البشير، حتى يؤكد لأوكامبو الذي أصدر في حقه مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، بأنه ليس سفاحا كما وصفه من خلال التهم التي وجهّها له رجل سلام حريص على أمن شعبه وسلامته وعلى وحدة بلاده، واستطاع بذلك أن يسقط قرار محكمته من وحل التاريخ. وكان للعديد من الجهات وعلى رأسها دولة قطر الدور البارز في تحقيق هذه الخطوة العملاقة التي ستتبع حتما باتفاقيات تخص القضايا الجوهرية بالإقليم وبمساعي لإقناع باقي الحركات المتمردة بضرورة الانضمام الى اتفاق السلام ولما لا المشاركة في الحكم، لينتهي بذلك فصل مأساوي في تاريخ دارفور وحياة مواطنيه بدأ في عام 2003 ليخلّف واحدة من أسوأ الأزمات الانسانية التي يشهدها العالم، حيث أشارت مصادر أممية بأن ثلثي سكان الإقليم يعيشون على المساعدات، وغالبا ما تنحرف هذه المساعدات عن طريقها ولا تصل وجهتها إذ ينهبها المسلحون والنصوص، كما لقي قرابة 300 ألف شخص مصرعهم حسب أرقام المنظمة الدولية وشُرد مليون شخص آخرين ... بدأ الصراع بدارفور التي تعني ديار الفور نسبة إلى القبيلة الرئيسية التي تعيش في المنطقة (الفور) في وقت مبكر من عام ,2003 بعد شروع مجموعة من المتمردين بشن هجمات على أهداف حكومية بذريعة أن الحكومة المركزية تهمل المنطقة وبزعم أنها تمارس سياسة القمع ضد الأفارقة السود وتحابي العرب، لكن الخرطوم نفت هذه المزاعم واعتبرت الصراع قد تطور وتعقد لنزاع يبدأ على حقوق الأرض والمراعي بين عرب البادية الرحل من جهة وبين المزارعين من قبائل »الفور« و»ماسالين« و »زاجاوا« المنتمية للعرقية الافريقية، وأكدت الحكومة السودانية بأن جل البلدان الافريقية تعاني مثل هذه التوترات بسبب شح مصادر المياه والمراعي والأراضي الخصبة، لكن الصراع الذي بدأ لهذه العوامل، تحوّل إلى بؤرة توتر بعد أن بدأت حركات التمرد تتهم الحكومة بحشد ميليشيات الدفاع الذاتي المدعوة بالجنجويد لتطهير مناطق كبيرة من الإقليم من الأفارقة السود، رغم أن البشير نفي التهمة وأطلق على هذه الميليشيات وصف لصوص وعصابات وقطاع طرق.. وأخذت الحرب تستعر بسبب تدخل أطراف خارجية كان تصب عليها الزيت، وأيضا بسب تزايد أعداد الجماعات المتمردة، فقد شهد الفصيلان الرئيسيان في الاقليم وهما الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي سبق ووقع مع الحكومة اتفاقا للسلام عام 2006 في نيجيريا وأصبح زعيمه »ميني ميناوي« لاحقا مستشارا للرئيس البشير، و حركة العدل والمساواة الموقعة أمس على اتفاق السلام انقسامات وانشقاقات على خلفيات عرقية ومصلحية مما خلق »جيشا« من الفصائل التي يرفض بعضها اليوم الجنوح الى السلام، وقد يمتد تعنتهم إلى التشويش على عملية بسط السلام بإقليم دارفور مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، والاتفاق الموقع بين الخرطوم والمتمردين وضع قاطرة السلام في دارفور على السكة، يبقى فقط تهيئة الطريق وإزالة على السكة، يبقى فقط تهيئة الطريق وإزالة كل العراقيل بالحوار والتفاوض بعيدا عن لغة السلاح العقيمة التي لم تجلب إلا البلاء للدارفوريين والاتهامات الثقيلة للنظام السوداني. ومن شأن هذا الاتفاق الذي ينزع أوراق الغط من أوكامبو ويلقي بتهمه في البحر، أن يدعم العملية الانتخابية التي تجرى وقائع حملتها هذه الأيام ويعزز السلام والاستقرار بالسودان.