قرار استحداث مجلس تنفيذي بكل ولاية من ولايات الجمهورية، بهدف التنسيق العالي بين الوزارات والسلطات المحلية خدمة لمصالح الشعب، هو بمثابة "تجديد" الإدارة وبثّ دم جديد في عروقها وأوردتها، خاصة بعد سنوات طويلة تسبّبت في مرور وتسرّب "دم فاسد" يجب تطهيره بالإصلاحات والتغيير المنهجي والهادف. رئيس الجمهورية، أمر في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، بأن يرتكز التسيير المحلي بشكل حيوي على إيجاد حلول لمشاكل المواطنين اليومية، والمرتبطة أساسا بالاستثمار لخلق مناصب الشغل والثروة. لا يختلف اثنان بأن الجزائر الجديدة، مثلما تُبنى من الفوق بالقرارات الجريئة والثورية والرؤية الحكيمة، والاستشراف، فإنها كذلك تُشيّد انطلاقا من القاعدة بالتنفيذ، وأيضا بإصلاحات عميقة قد يكون أهمها تغيير الذهنيات البالية التي عشّشت في عقول الإدارة، وفرّخت أساليب الركود والجمود والنمطية في أفكار الإداريين. إن تجديد الإدارة المحلية بهيئات جديدة، وأفكار متجدّدة وبالمتابعة والمراقبة والمحاسبة، بوسعه أيضا تسريع وتيرة إنجاح المسعى الوطني الذي يريده جميع الجزائريين والخيّرين، وينتظرون تكريسه اليوم قبل الغد، وهو ما ستساهم دون شكّ "المجالس التنفيذية" في العمل على تحقيقه، إذا توفرت جملة من الشروط والأبجديات التي تجعل الإدارة في خدمة الشعب وتحت تصرّف الدولة. صحيح أن "المرض" استشرى خلال العهد البائد ونخر جسم إداراتنا، خاصة وأن العدوى انتقلت من الوباء إلى الجائحة، وأصابت "المصلّي وتارك الصلاة"، ولم يسلم إلاّ القليل من الإداريين الذين "يخافو ربي"، ويكفرون بالبيروقراطية ومناهج فرملة كلّ تطوير أو تغيير. لكن، هذا الواقع المرّ والتشخيص المؤسف، لا ينبغي أن يعطّل مسيرة قلب الطاولة على المتكاسلين والمتقاعسين والسلبيين الذين يضعون العصا في العجلة، أو يرمون المسامير في الطريق ضمن محاولات فاشلة لن تجدي نفعا، طالما هناك قوى خير تريد التغيير الهادئ والهادف الذي يبني جزائر جديدة يريدها الجميع. إن "تحرير" الإدارة المحلية من أخطبوط البيروقراطية و"غول" المحسوبية والعشوائية وفيروسات سوء التسيير وتسيير السوء التي سادت طوال السنوات الماضية، هو مربط الفرس وحصان طروادة للخروج النهائي من نظام "الفوضى المنظمة" التي فرملت الاقتصاد والتنمية والاستثمار، وضربت انشغالات المواطنين في مقتل، ووأدت الثقة حيّة ترزق، وانتهت إلى تحويل الإدارة إلى "حزب" يمارس للأسف التكسير والتعطيل! نعم، لقد حان الوقت لميلاد إدارة جديدة تواكب مقتضيات الجزائر الجديدة، وتتكيّف مع المتغيّرات الداخلية والخارجية وهذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال، أن كلّ الإداريين بيروقراطيون و"لا يصلحون"،وإنماالمطلوبوالمرغوبهوتكريسنظامإداريقائمعلىالإبداعوروحالمبادرةوالابتكاروحلّالمشاكل،حتىلاتبقىالإدارةعدوّاومنفّرافينظرهؤلاءوأولئك. لقد بدأت حملة التغيير والتطهير والتطوير على مستوى الإدارات والجماعات المحلية، ومن بين المفاتيح لإنجاح الإصلاحات تنظيم انتخابات محلية، بلدية وولائية مسبقة، والقضاء على "الشكارة" والمال الفاسد وإفساح المجال للشباب والكفاءات والإطارات الجامعية، إلى جانب حركات التغيير وسط الولاة ورؤساء الدوائر والأمناء العامين، في انتظار الشروع قريبا في تنصيب مجلس تنفيذي في كلّ ولاية، وكلّ ذلك غايته إنتاج إدارة جديدة وقطع الأيادي الغادرة و"الغدّارة" التي لا تريد التوبة ولا الاندماج وترفض أن تغيّر ما بأنفسها حتى يكون الأفضل حتما مقضيا.