التقيناه بعين تموشنت، استقبلنا بضحكته المعهودة ونكته الفريدة، وفي جلسة حميمية تحدّثنا عن مشواره الفني، مشاريعه، أحلامه التي لاتنام، وطنيته حتى النخاع وأشياء أخرى ستتعرف عليها عزيزي القارئ من خلال هذا الحوار، أهمها أن الفنان "حميد عاشوري" موهوب ضحّى بمهنة مربّي الأجيال في سبيل أن يدخل البهجة إلى قلوب ملايين المتفرجين، وها هو حميد يفتح قلبه لجريدة "الأمة العربية".. وبعيدا عن الكلاسيكيات كان السؤال الأول: * لقد جاءت زيارتكم لعين تموشنت في إطار التنشيط للقافلة التي تجوب بعضا من ولايات الوطن تحت شعار "أحبّ وطني لذا أنا أنتخب"، فما الهدف منها؟ ** إنها فكرة جميلة تلك التي تدعو للقاء الفنان بجمهوره على المباشر، خاصة وأنه مقتنع بها وهو ما حدث معي من خلال القافلة التحسيسية هذه، لأنه حان الوقت لأن يشارك الفنان في بناء وطنه بل ويكون السباق في ذلك، وهي فكرة طيبة جاءت على شكل قافلة لأن في الأوقات الحرجة الفنان صوته مسموع فهو حبيب الجماهير ولديه قابلية للنقاش وطرح الرؤى، فالوطن يحتاجنا ونحن نلبّي نداءه دائما، فالأمم المتقدمة لم تصل إلى ما هي عليه من العدم إنما يفضل تظافر جهود أبنائها، وباختصار كلمة "أنتخب" بسيطة لكن مضمونها قوي للغاية، وخير دليل على ذلك ما حدث في أمريكا فصوت واحد قلب الموازين في الانتخابات الرئاسية. * بخصوص القافلة دائما، ما هي النشاطات التي قدمتوها ومن هم الفنانون المشاركون فيها؟ ** هذه القافلة التحسيسية، التي يشرف عليها الديوان الوطني للثقافة والإعلام ووزارة الثقافة، أسعدنا الانضمام إليها وهو دليل ثقة، هم مشكورون عليها كونهم اختاروني أنا وزملائي من الفنانين للاحتكاك بالجمهور، ونتمنى بالمناسبة أن نوفق في مهمتنا الفنية. وأما فيما يتعلق بالمشاركين، فهم فرقة إشراق من بونة بموسيقييها المتميزين، إلى جانب المطرب "نور الدين ادزيري، ماسينيسا في الشاوي، احميدة في الوهراني، وشباب ألحان وشباب، وهو رمز مقصود جمع فيه فنانون من القطر الوطني يمثلون كل الطبوع من خلال الوصلات الموسيقية التي يقدمونها أو الأغاني، ويكون له بطبيعة الحال فرصة للتحاور مع الجمهور وتوجيهه، ولكلّ طريقته في إيصال تلك الأفكار وبسلاسة للفئة التي يمثلها. * المعروف عن حميد أنه ابن التلفزيون، فلماذا البعد عنه هذه الأيام؟ ** هو ليس غيابا وإنما نوع من الانشغال، فأنا بصدد التحضير لسلسلة اجتماعي دينية، سيتم عرضها بقناة القرآن الكريم التي يُحضّر لها في أروقة التلفزيون، صوّرت منها 10 حلقات يشاركني فيها الفنانتان فريدة كريم وسميرة صحراوي، وهي من إعداد وتقديم "عيسى ميغاري" وإخراج "عزيز" أحد تلامذة "بادي محمد صحراوي"، ومن المنتظر عرضها على مدار السنة بأكملها. من جهة أخرى، لدي مشروع فني آخر وهو مسرحيتان، وبين هذا وذاك أقوم بجولات داخل وخارج الوطن وأعطي لنفسي بالمناسبة مساحة لأن يشاهدني الجمهور، خلال الشاشة، وعندما أغيب عن التلفزيون فأنا أنتقل بصفة دورية إلى الإذاعة ثم إلى الخشبة، وأقل ما يقال بهذا الصدد "لم أغب أبدا عن التلفزيون أو أُغَيَّب"، وللحفاظ على ذلك الرابط دائما فأنا أتواجد كل خميس مع العائلات في دار الضياف من خلال عروض تدوم ساعتين، وأنا أعترف لجريدتكم أن اختياري للأعمال جد صعب لأني أنتقيها بدقة، وسبق لي وأن رفضت العديد منها لأني ببساطة لم أجد نفسي فيها، وأدرس فكرتها والسيناريو الذي تحمله آلاف المرات، إلاّ إذا كان العمل ذا طابع اجتماعي أو تحسيسي فأنا هنا لا أتردد أبدا، وأعتبره واجبا علي وهو ما حصل معي لما طرحوا علي فكرة القافلة. * وماذا عن "بوراكة"، لماذا غابت عن الشاشة؟ ** يضحك، ويرد "راهي اطّيب"، هي موجودة ولم تغب أبدا عن برنامج رمضان، ومسألة عرضها على التلفزيون أو عدمه يرجع لأهل التلفزيون فإذا رأوا أن هناك برامج أحسن منها فأنا لا أمانع في ذلك فلا فرق بيني وبين زملائي، ولكن "بوراكة" تتواجد حاليا بالبهجة. * لماذا هذ التحول من التلفزيون إلى الإذاعة، وهل نفهم أنّك تحبّذ هذه الأخيرة؟ ** إنّ تكويني الأول إذاعي ومع "الطّاهر فضلاء" دخلت مسرح الهواة إلى جانب كشرود وعمالقة آخرين تعاملت معهم في الراديو وانطلقت منه، وفي المسرح أيضا تكوّنت مع "علاّل محب" وكان انتقالي إلى المسرح منطقيا لأني درست بمعهده المتخصص، وكان لي الحظ بعدها في الالتقاء مع من أحبهم في سن مبكرة ووقّعوا لي على شهادات على غرار الفنان "مصطفى كاتب"، ولا أنفي بالموازاة أني أرتاح في الراديو لأنه فضاء مفتوح على المستمع، وأتعامل فيه بكل حرية وعنفوانية، وذلك بناء على تشجيع الفنانين "فريد طوالبي"، مدير الإذاعة، و"عز الدين ميهوبي" الذي يوجهني دائما، فالدوافع موجودة بقوة ولن أتخلى عن الإذاعة حتى ولو قمت بأعمال تلفزيونية ضخمة. * وماذا عن التمثيل؟ ** التمثيل هو روحي ومن خلاله أنا أعبّر عن نفسي، وأنا أتنفس بالتمثيل وأعتقد أني ولدت لأن أكون ممثلا، رغم أني كنت مدرس اللغة العربية وقدمت رسالة نبيلة وانتقلت من عمل لآخر، فبالفن نبرز قوة وطن وبلد كان التلفزيون مرآة عاكسة لتوجهات الأمة وأفكارها. * وهل اكتفيت من التمثيل، وهل أنصفوك في الأعمال التي عرضت عليك؟ ** الوضعية أنا أدركها جيدا وعلى دراية بها، فنحن لدينا مخرجون متألقون كبلقاسم حجاج وآخرين.. وبعيدا عن التهميش، الظروف لم تسمح لهؤلاء بإنجاز عدة أعمال في وقت واحد وأنا جد متأسف لذلك فلربما جئت في زمن غير زماني مقارنة بالطاقات والمواهب التي أحملها والتي لم تستغل بعد، ما عدا تلك الأدوار التي قدمتها قبلا. * كيف كانت تجربتك في عالم الفكاهة لأن لجميع عهدك في أدوار كوميدية؟ ** صدّقوني، لم أكن يوما أتوسم أن أكون كوميديا، ولكن القصة جاءت صدفة، فبالعكس تماما لقد قدّمت عروضا قوية انبثقت عن دراساتي لشكسبير وكانت درامية محضة، وهي أسهل بكثير من الفكاهة فأنا مستعد لحفظ دور درامي وتقديمه على أحسن وجه لكن عندما يتعلق الأمر بإضحاك شخص ما أو جمهور أمام الشاشة على مدار (10) دقائق فذلك جد متعب في الأداء، ولمّا دخلت عالم الفن من هذا الباب كانت العشرية السوداء بعدما عملت مع أول من اكتشفني وهو المخرج "مصطفى بديع" وأعتز بذلك ثم انتقلت إلى السكاتشات الخفيفة ثم الفكاهة البسيطة، وهكذا شيئا فشيئا تقبّلني الجمهور وتعود علي. * على ذكر الأدوار الدرامية، مع من تعاملت في بادئ الأمر؟ ** هل لكم أن تتصوروا حميد في فيلم تاريخي؟ نعم حدث ذلك عام 1994 حيث سافرت إلى أوزباكستان لتصوير فيلم تاريخي مع المخرج محمد بن قطاف بعنوان "بيت الآلهة"، وقمنا بأدوارنا على أكمل وجه ونلنا بذلك إعجاب الجميع لأن الظروف آنذاك -وبرأيي- كانت مواتية للإبداع، فالفنان لا يجب أن يحصر نفسه في نوع واحد، وحتى الآونة الأخيرة، فأنا أرتاح لمسار الثقافة في بلادنا والفضل راجع لرئيس الجمهورية ووزيرة الثقافة في إعطاء دفع وتثمين للأعمال الفنية، فنحن نلاحظ ازدهارا للثقافة واهتماما كبيرا بها انعكس في ترسيم المهرجانات، وإنتاج ما يربو عن 80 فيلما وطباعة 1000 كتاب، ناهيك عن التبادلات الثقافية بين الفنانين والولايات وحتى الميزانية ارتفعت، وإن تواصلت الوتيرة على ما هي عليه فسنرى مستويات فنية ستضاهي البلدان العربية إن شاء الله. * تعاملت كثيرا مع الفنان "مدني مسلم"، كيف جرى ذلك؟ ** في حقيقة الأمر كان ارتباطي الأول مع الفنان "لخضر بوخرص"، أخي وزميلي، كنا نطمح للولوج بأعمال فنية متعددة تحدثنا عنها منذ أكثر من 20 سنة منها ما تحقق ومنها ما يزال مشروعا، وسرّ تعلّقي به هو أنه مبدع وله ردود ارتجالية، ثم كان اللقاء مع "مدني" وذلك الوقت كنا نمثل مرحلة صراع الأجيال "الأب والابن"، ووجدت في "مدني" تلك القابلية زيادة على أنه كان يناسب الدور، وهكذا وحتى، مؤخرا، كان لنا مشروع لم ير النور في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" عندما قدمت فيلما مشتركا مع مخرج فرنسي موضوعه الهجرة لكن للأسف الميزانية التي أوكلت للفيلم لم تكن مناسبة. * من هم أقرب الفنانين إلى قلب حميد؟ ** أحب التنويع في أعمالي ولدينا والحمد لله فنانون جزائريون ممتازون، أمثال كمال بوعكاز، بهية راشدي، فريدة كريم التي تشاركني العديد من أعمالي، وتبقى أمنيتي هي الوقوف أمام "بن قطاف" في الخشبة، هذه الأخيرة التي تعاملت فيها مع الكثير، وحتى التلفزيون لديه وجوه بارزة على غرار "ليندة ياسمين" تلك الفنانة التي تشق طريقها بثبات.. المهم أن الفنان يجب أن يبحث عن نفسه بنفسه ويخط طريقه، فالأبواب أبدا لم تكن موصدة وصدّقوني فلو عملنا في دور الشباب، الإذاعات الجهوية، دور الثقافة، المسارح وغيرها، فلن نغطّي ذلك الزخم في البرامج الثقافية وأخشى أن يأتي يوم لا نلاحق على تكملة كل المشاريع والبرامج الثقافية المعروضة من أيام الدراسية، وقوافل شعرية. * مع كل هذا الزخم الذي تتحدث عنه، فماذا يمنح الفنان بالموازاة؟ ** أكيد أن الفنان هو صانع هذه الاستمرارية بناء على الأعمال الجادة والنتائج التي تعطيه الدافع، فهو في مرحلة إبداع طبقا لنظرية "أكون أو لا أكون" فهو يشق مع هذا طريقه بناء على احتياجاته، ومع كل هذا فهو ينقصه المشجع المعنوي المتمثل في القانون الأساسي للفنان الذي سيضمن استمرارية دوران العجلة من خلال تحديد هوية هذا الفنان من خلال بطاقته الفنية لأنه لما يستقر نفسيا فيستطيع الإبداع، وأكرّر مرة أخرى كل الظروف الآن مواتية "الميزانية" التي ارتفعت، الاهتمام بالثقافة وينقص فقط القانون الأساسي، والذي أنا متأكد من أنه على مكتب رئيس الجمهورية وجاهز ينتظر الفرصة للإعلان عنه، والذي سيكون بمثابة هدية رغم أنه ليس كذلك بل إنه تزكية لكل ما قدمه الفنان لهذا الوطن، ومتمم لكل النقاط الجميلة.. فالفنان عاشق ويتمنى الخير للجزائر. * خلال حديثنا معك أفصحت عن أعمال فنية هي من تأليفك، فما قولك؟ ** لقد ألّفت عدة سكاتشات ومسرحيات وأعمال تلفزيونية أغلبها لا تزال بالأدراج، وأنتظر الفرصة للبث فيها، وأنا جدّ متفائل ولم أقل أبدا إن هذه هي النهاية بل أعتبرها دائما البداية، وأعتبر حميد لم ينطلق بعد لأنني أرى أني لم أقدم بعد كل ما أتمناه وأطمح إليه وأنا في مرحلة إثبات الذات وأشارك في الخارج بقدر المستطاع، وبحكم خرجاتي تجوّلت في بلدان عديدة ولاحظت فنانين يقدمون عروضا على الرصيف وأخرى بدون ديكور، وهو ما يجعلني أُقدّرهم للغاية لأن الركح لم يكن يوما عائقا أمام الفنان، فأنا مثلا لدي أعمال مضت أعتقد أنها وليدة الساحة، وهناك أخرى أفكر فيها ولم أجد الوسيلة بعد للإفصاح عنها، وحتى إن لم أستطع ذلك فيمكنني تقديمها لآخرين دون أي حرج فهي تبقى من إبداعي، المهم أن تخرج إلى الوجود. * يقال هذا الشبل من ذلك الأسد، فهل هذه المقولة تنطبق على حميد الفنان؟ ** إلى حدّ ما، فوالدي يمتاز بطبع خفيف ولا أنفي أنه هو من جعلني فنانا وربما دون أن يشعر أو يخطط لذلك، فلطالما نمّى في تلك المواهب الكامنة لأنه كان يصطحبني للسيرك والمسرح، ويشتري لي الكتب، ومنها دخلت سينما الهواة وبفضله أصبحت فنانا، فالموهبة كانت ربانية لكنه نماها ونقحها ذلك الفن الهادف المربي الذي نبني به مجتمعنا ونتباهى به أمام الأمم. * ما هي تمنّيات حميد وكلمته الأخيرة؟ ** كلمتي الأخيرة أوجّهها للفنان بأن يكافح من أجل التقدم، فلدينا فنانون قدوة ضحّوا وقدّموا الكثير لهذا الوطن، وما دمنا في أيام الخير والجزائر مقبلة على عرس كبير (الانتخابات المقبلة)، فعلى الكل أن يثبتوا وجودهم فالفرحة لا تكتمل في غياب أهل الدار، ونتمنى أن تكون الخاتمة خير في ظل القانون الأساسي للفنان.