لم يحن الوقت بعد للكاتبة الجزائرية ياميلي غبالو حروي أن تكتب عن الجزائر وعّما مرت به من ظروف صعبة، فاختارت لبنان الرمز وتناولته في روايتها التي قدّمتها أول أمس بدار "الشهاب" بباب الوادي. "لبنان" عمل أدبي دخلت به ياميلي غبالو حروي إلى عالم الرواية، بعد أن حطّت رحالها مرتين في القصة والشعر، وتحكي فيه قصة عمر الشاب الجزائري الذي لا ندري بالضبط ماذا يعمل، هل هو حارس شخصي؟ أم مرتزق؟ أم حتى قاتل؟، انتقل في سنوات السبعينيات للعيش في لبنان، حيث كانت الحرب الأهلية تأكل أرضها، وأصبح الحارس الشخصي لكمال الذي هو في الحقيقة رمز لكمال جنبلاط، أحد أهم القيادات اللبنانية في زمن الحرب الأهلية والذي اغتيل سنة 1977 لدفاعه عن القضية الفلسطينية. وبعد اغتيال كمال في الرواية، يلتقي عمر الجزائري بعصمت نور، المرأة الجزائرية الفرنسية التي تصبو فقط إلى حماية الأطفال في لبنان، فيجد نفسه منبهرا بكفاح هذه المرأة التي كان يمكن لها أن تعيش حياة هنيّة، ولكنها اختارت أن تحمل قضية إنسانية، فيتأثّر ويتغيّر ويصبح رجلا آخر، لكن هل تعير الحياة اهتماما بتغيّر عمر أنّ الأمر قد فات أوانه؟. لماذا لبنان؟ لماذا اختارت ياميلي هذا البلد؟ لماذا لم تختر الجزائر في عملها الروائي الأوّل؟، تجيب الكاتبة انه لم يحن الوقت بعد لأن تكتب عن بلدها، مضيفة أنّها لم تجد بعد الأسلوب الذي يمكن أن تستعمله في التطرّق إلى الجزائر، بالمقابل قالت أنّ تناولها لبنان يعود إلى كون هذا البلد مرّ بظروف صعبة مثل الجزائر وثانيا محاولة منها فهم كيف يمكن لبلد فيه من الثراء والثقافة والموقع الاستراتيجي، الشيء الكثير، أن يسقط في العنف؟. وتناولت الكاتبة عدّة شخصيات في عملها هذا، مثل كمال الشخصية الفذّة وهي مزيج من البعد الوطني والبعد الإنساني في آن واحد ورمز لشخصية حقيقية ألا وهي "كمال جنبلاط" أحد زعماء الطائفة الدرزية بلبنان ومن أهم زعماء البلد في فترة الحرب الأهلية، والذي كان زعيما للحركة الوطنية اللبنانية وأحد مؤسسي "الحزب التقدمي الاشتراكي"، كما كان يتميّز بالرؤية البعيدة من خلال اهتمامه بالإنسان وليس فقط بالمواطن اللبناني. وفي هذا السياق، تساءلت الكاتبة عن وجود حكام في زمننا هذا، ممن لديهم بعد النظر يعتمدون عليه في قراراتهم وكذا اهتمامهم بجنس الإنسان من دون تمييز مثل ما كان عليه الأمر مع غاندي والأمير عبد القادر وكمال جنبلاط. أمّا عن شخصية عمر، فقالت عنها ياميلي أنها غامضة تربّت في العنف بعد قتل والده بالجزائر، ليجد نفسه وسط عنف آخر بلبنان، فهل اختصرت حياة عمر في العنف؟ ربما، لكن في أعماقه يشعّ نور يحمل أمل في حياة أفضل. الكتابة جرأة، الكتابة تحدي واقتحام عوالم مجهولة، وهو ما حدث لياميلي التي أخذت بلدا غير بلدها ووضعته في قلب روايتها، علاوة على تطرّقها لشخصيات رجالية وبالتفصيل، لتتحوّل الكتابة من جهد وتعب إلى لعبة أيضا ومتعة. للإشارة ياميلي غبالو حروي أستاذة بقسم اللغة الفرنسية بجامعة بوزريعة، لها مجموعتان شعريتان هما "الكون" و"مسكن الأزرق" ومجموعة قصصية بعنوان "غرناطة" لتنتقل إلى عالم الرواية بهذا العمل "لبنان"، كما تدير ورشة بحث خاصة بالعمل الأدبي النسوي وهذا منذ ثلاث سنوات، وقامت رفقة باحثين آخرين بدراسة حول الرواية المعاصرة والأدب النسوي العالمي.