أصبح عدم احترام الوقت والمواعيد عادة لدى البعض من الناس، وبانتشار هذه الظاهرة، التي لطالما أفسدت العلاقات وتسببت في مشاكل كثيرة، أفرزت مع الوقت ظواهر سلبية أخرى لم يعرف المجتمع لحد الآن كيف يتخلص منها. ورغم التطور الحاصل والتفتح على العالم، إلا أن ذلك عوض أن يعود على المجتمع بالإيجابيات، جاءت نتائجه عكسية وكثيرة... ففي الماضي كان الموعد بالنسبة للناس أمرا مهما والوصول في الوقت كان يعتبر رجولة، وكما يقال بالعامية »نيف«. يرى الأستاذ سمير عيمر، المختص في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن الالتزام بالموعد اشتهر به سابقا العرب، وكانوا يرون في ذلك صدقا وأمانة، وهو ما يرد في النص القرآني، حيث قال تعالى في سورة مريم الآية (54)، »واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا«. من هنا يتضح أن قيمة الوقت والموعد لديها أهميتها في ديننا الحنيف، وقال الأستاذ عيمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى أيضا بالالتزام بالوعد يقول: (من وعد وفى ومن وفى دخل الجنة).. ليؤكد أن الجزائري كان معروفا منذ القدم بعدم التزامه بالمواعيد » ففي الوقت الذي ازداد فيه عدد الناس وفي غياب النظام لم يعد الفرد الجزائري منضبطا«. ويبدو أن التطور الحاصل في المجتمع والذي يسير بوتيرة سريعة، جعل معظم الناس وعوض أن يعطوا للموعد أهمية أكبر، لا يولونه تلك القيمة اللازمة، حتى وإن تعلق الأمر بمصلحة شخصية في بعض الأحيان، وهذا لأسباب متعددة إرادية وغير إرادية، تقول الأستاذة زبيدي أستاذة على الاجتماع في جامعة الجزائر: » الالتزام بالمواعيد أصبحت تغلب عليه المصلحة أكثر من أي شيء آخر، فإن كانت هناك مصلحة للشخص الذي يضرب لك موعدا، فإنه يكون غالبا في الموعد، لكن إذا لم تكن هذه المصلحة موجودة فقد يحاول كلا الطرفين التهرب من اللقاء بطريقة أو بأخرى«. يؤكد (بوزيد. ن) أحد المستوردين والمستثمرين، »صراحة لقد عانيت كثيرا مع بعض الناس الذين يضربون لي مواعيد، لكن عندما يتعلق الأمر بمصالحهم فإنهم يصلون في الموعد«. ويرى الأستاذ باشان مختص في علم النفس بجامعة الجزائر: » من الناحية النفسية فإن هذه الظاهرة قد تعبر عن لا شعور الفرد، أي عن عدم رغبته في الاتصال بالطرف الآخر، هناك أمور لا نرغب فيها، وعندما تصادفنا تكتب في منطقة اللاشعور، وتظهر على شكل سلوكات يمكن أن نعبر عنها كمقاومة، حيث يقوم الفرد من خلالها بإخراج ما هو مكبوت في نفسيته«. فغياب الصراحة ما بين الأفراد، الاستعداد وعدم إعطاء الأهمية للقيم والمعايير، تدفع الناس إلى التصرف بهذه الطريقة التي تجعل الفرد غير ملتزم بالمواعيد، وفي هذا الصدد يضيف الأستاذ عيمر: »في رأيي فإن عدم الإالتزام بالموعد مرادف للكذب«. أما الأستاذ باشان فيرى من جهته أن الفرد يحضر في الموعد إذا كان يتوقع جني فائدة من ذلك. ويرى البعض ممن سألناهم عن الموضوع، أن المجتمع كله يعاني من عدم الالتزام بالمواعيد، حيث أن لكل فرد أسبابه الخاصة. كما اجمعوا على أنه من الصعب برمجة المواعيد ويقول أمين ع.: »أحاول دائما أن أصل في الموعد المحدد سواء تعلق الأمر بالعمل أو بلقاء مع صديق أو شخص ما، لكن في العديد من الأوقات أتصادف بعض العراقيل التي تحول دون الوصول في الموعد، منها ما يتعلق بالنقل وازدحام الطرقات«. أما شوقي. ب، فيؤكد على أنه من الأشخاص المنضبطين في المواعيد » عندما يكون لدي موعد، أفعل المستحيل حتى أصل في الوقت المحدد«. وكما أشارت إليه الأستاذة زبيدي، أستاذة علم الاجتماع، فهناك اختلاف كبير في مسألة الانضباط بالمواعيد، مقارنة بالأوروبيين: »الأوروبي لديه وقت منظم، نحن بالعكس لدينا فائض في الوقت، وبالتالي تجد الفرد يقول لك الساعة 10 أو 11، ليس هناك أي مشكل، في حين أن للوقت لدى الأوروبي مثلا قيمته ولا يجب أن يضيعه«. وكما يقال لدى الأوروبيين: » قبل الوقت ليس بالوقت، وبعد الوقت ليس بالوقت، فالوقت هو الوقت، وهوما سمح لهم بالتقدم في شتى مجالات الحياة«. يقول عبد الكريم، س: » لقد كان لدي موعد مع أحد الأشخاص من أجل تسوية أمر خاص، وبقيت في انتظاره لأكثر من ساعة وعندما وصل لم يعتذر عن التأخير، ولما طلبت منه استفسارا رد بأنه لا يهم فالمهم بالنسبة له أنه وصل«. ويسجل أن مواعيد العمل، عادة ما تعرف الانضباط، نظرا للأهمية التي تأتي من ورائها ومصلحة الطرفين أيضا فيها، وهناك مواعيد الصداقة، والتي تقل درجة في التخلف عنها، لكن الأكثر انتشارا هي المواعيد التي يكون للطرف الأول مصلحة فيها لدى الآخر أو تلك التي تتعلق بالإدارات، حيث أن بعض المسؤولين لا يعيرون أي اهتمام للمواعيد. والملاحظ أيضا هو عدم الوصول في الوقت المحدد الى العمل، فمعظم الجزائريين لا يبدأون العمل على الساعة الثامنة، إذ يقول الأستاذ باشان: »قيم العمل انهارت بشكل كبير، وليست هناك عقوبات تطبق، خاصة وأن هناك نماذج سلبية تكرس الظاهرة، فالمدير مثلا لا يعاقب إذا لم يصل في الوقت، مما يجعل العامل يتصرف بنفس الطريقة، فبالنسبة له، هذا شيء معزز«. وحسب الأستاذ عيمر: »الفرد عندما يصل الى مقر عمله، يتوجه أولا الى المقهى، ولا يلتحق بمكتبه أو بعمله إلا بعد مرور وقت طويل«، وفي هذا الاطار يقول ابن خلدون لابد من وازع يزع بين الناس، يعني أنه لابد من عقوبات«. فالالتزام بالمواعيد والانضابط، من الامور الأكثر أهمية لاستمرار العلاقات الإنسانية، وفرض الاحترام بين الناس، وهذا ما من شأنه أن يفتح المجال للتقدم.