وقبل التطرق إلى خصائص هذه الظاهرة الفريدة من نوعها لدى قبائل بني حسان، لابد من التوقف عند بعض المحطات الأساسية التي تسبق الطلاق عادة والمتمثلة في الزواج عند أهل تندوف، والذي يختلف من عائلة إلى أخرى ومن قبيلة إلى أخرى أيضا· كانت المرأة وما تزال لدى مجتمع بني حسان كائنا محترما ويلقى تقديرا متميزا، حيث يعتبر ضرب المرأة لديهم أمر غير محبوب، فقد ذكرها الشعراء وتغنوا بها في جل أشعارهم، فهذا الشاعرالقديم عمار ولد مريزيق خصص حيزا كبيرا ضمن أشعاره للتغني ب (مهاية) التي سكنت خلده، كما نرى نفس الشيء بالنسبة للشاعر عمار ولد لعرب في ديوانه الحساني· وتبدأ خطوات الزواج الأولى بالبحث عن المرأة اللائقة، حيث يدوم البحث أعواما طويلة يجوب خلالها الرجال الأودية والصحاري· وبعد البحث المضني يتم الزواج بعد دفع المهر الذي لا يعدو قليلا من المال والمتاع والإبل· ومن بين الظواهر التي هزت انتباهنا ظاهرة بقاء الزوجة مدة سنة عند أهلها بعد الزواج، وتعتبر هذه الحالة استثنائية لدى سكان تندوف بشيء من الإختلاف من جنس إلى آخر· وبعد لقاءات جمعتنا مع بعض السكان حول مسألة بقاء الزوجة مدة سنة أو أزيد هو من أجل إعطاء فرصة للزوج لتحضير الأثاث اللازم، ومنح الوقت الكافي لأهل الزوجة لتحضير أثاثها (الجهاز) الذي سترحل به إلى بيت الزوجية في ظروف مستقرة، كما توجد ظواهر أخرى تضاف إلى مجموع الظواهر الإجتماعية المرتبطة بالزواج منها مثلا عدم ترك الوجه عاريا أمام السهر، وهذا يرمز إلى الحياء والإحترام، كما أن الإبن المتزوج لا يداعب أبناءه الصغار أمام والده· وتقول الأم (سويلمة) 75 سنة، التي حدثتنا مطولا عن العديد من الظواهر التي انعدمت بالمجتمعات الحضرية، كعدم التعطر مثلا أمام الكبار، وعدم شرب الشاي أمام الصهر، وهذا حسب الأب سيدي حماد، 70 سنة، بهدف الإحترام وحسن الخلف الذي بات يطبع سلوكيات المجتمعات البدوية القديمة· وبعد هذا التحليل نعود إلى موضوع الإحتفال بالمرأة المطلقة من خلال إقامة حفل متميز وتفريش (قطيفة) وهي فراش من الصوف ويمثل أجود أنواع الأفرشة المحببة لدى سكان تندوف، لاسيما القدامى منهم، إضافة إلى ارتداء المرأة وهي جالسة على القطيفة اللباس التقليدي، المحلفة السوداء من مادة النيلة، وملحفة بيضاء، ترتري إلى جانب ذلك أساور فضية وخلاخل من الطراز القديم، ومجموعة من القلائد ولخراب والفشة، وتدوم الإحتفالات يوما كاملا يتم خلاله إطعام الناس· ويقول المتحدث إن الهدف من تحفيل المرأة المطلقة هو الرفع من معنوياتها وتحسيسها بأن الطلاق ليس نهاية العالم، وأنها ما تزال في أنظار أهلها امرأة قادرة على الاستمرار في الحياة· كما يهدف الناس من وراء ممارسة هذه الطقوس أيضا إلى غرس معاني التضامن والتآخي بين كافة أفراد المجتمع، والسعي إلى إقامة مجتمع متماسك ومتآزر رغم الطلاق الحاصل بين الرجل والمراة، والذي لا يؤثر على العلاقة الإجتماعية العامة، واعتبار أن المرأة المطلقة ما يزال لها دورا تلعبه داخل المجتمع، وأن الطلاق ليس إلا حالة عابرة تتجاوزها بإقامة هذا الحفل البهيج·· الذي لا يوجد إلا لدى القبائل الحسانية·