❊ المادة الأولية ترمى في الوديان... والمتوفرة في السوق مغشوشة ❊ دعوة لبعث نشاط مصانع نسج الصوف وجلب الوفود الأجنبية يعد السجاد التقليدي أو "الزربية"، من بين أشهر وأهم أنواع الصناعات التقليدية في ولاية غرداية، يطلق عليه تسمية "الحنبل"، وهو يصنع من صوف الغنم والماعز، وبه العديد من والرموز التي لها دلالات مختلفة. لا يمكن لزائر سوق غرداية الكائن تحت قصر "تغردايت"، أن لا يلحظ كل تلك الزرابي ذات الميزة الخاصة، وقد عمد التجار إلى تعليقها باحتراف كبير لجلب الأنظار. السجاد التقليدي اليوم يعاني الكثير، حسب بعض الحرفيين ممن تحدثوا إلى "المساء"، رافعين نداءات مستعجلة لكل من وزارتي السياحة، الصناعة التقليدية والفلاحة، من أجل التنسيق بصفة جدية قصد توفير المادة الأولية، حتى لا تندثر حرفة يدوية متوارثة عبر أجيال وأجيال. والعمل أيضا على إعادة بعث نشاط مصانع نسج الصوف، وكذا دعم الحركة السياحية، من خلال جلب الوفود الأجنبية. يعتبر سوق غرداية من أشهر المعالم السياحية بهذه الولاية الجنوبية، لا يمكن لأي سائح أن يصل إلى غرداية، ولا يقصد هذا السوق الذي يقع أسفل قصر "تغردايت"، الذي يعد هو الآخر من بين أهم المعالم السياحية الشهيرة بالولاية. السوق عبارة عن دكاكين مصطفة على شكل مستطيل حول ساحة واسعة، يجد في وسطه ما يطلق عليه تسمية "الحويطة"، وهي أحجار مغروسة في الأرض في خط نصف دائري. و"الحويطة" مكان اجتماع أعضاء "الجماعة" أو "أعيان القصر"، حيث كانوا يجلسون على هذه الأحجار ويتشاورون حول مختلف قضايا المجتمع وأحوال الناس، حسبما أفاد به ابراهيم بابهون، مرشد سياحي بقصر "تغردايت" ل"المساء"، التي كانت في جولة سياحية بالسوق والقصر. في السوق العديد من الدكاكين، تختص جلها في بيع الحرف التقليدية وبشكل أخص الزرابي أو السجاد التقليدي، الذي له مكانة خاصة هنا في غرداية، بالنظر إلى كونه يقع على هرم الصناعات التقليدية. أشكاله وأحجامه.. ونقوشه وألوانه مختلفة.. قد يختلف هذا السجاد عن الآخر في كل ذلك، لكن القاسم المشترك بينهما هو الصنع اليدوي.. "المساء" اقتربت من بعض باعة السجاد التقليدي في السوق، وسألتهم عن هذه الصناعة اليدوية وعن الزربية التقليدية الغرداوية تحديدا، فكانت هناك أجوبة متفاوتة، لكنها أكدت على أن عوامل كثيرة ساهمت في تراجع الصناعة التقليدية كثيرا، مما أصبح يهدد مستقبلها بشكل جدي. "الحنبل"... رمز الصناعة التقليدية بغرداية يعاني في صمت في الموضوع، حدثنا الشيخ عمر بن ابراهيم، وهو من بين قدماء الحرفيين وباعة السجاد التقليدي الغرداوي. بدأ حديثه عن سوق ساحة قصر "تغردايت"، الذي قال إن بناءه قديم جدا، ويطلق عليه اليوم اسم "ساحة الاستقلال"، وقد عرف خلال سبعينيات وثمانيات القرن الماضي أوج ازدهاره، بفعل حركية البيع والشراء، حيث كان السوق طوال أيام الأسبوع، تتوفر فيه كل أنواع السلع، وكان فيه "الدلال" يدور على التجار الذين يأتون من كل فج عميق ويعرض سلع هذا وذاك، ويكثر كل ذلك يوم الجمعة..."اليوم تغير الأمر كثيرا"، يقول العم عمر، مشيرا في معرض حديثه، إلى أن التغيير طال أيضا أحد أهم رموز الصناعة التقليدية بغرداية، وهو السجاد أو الزربية أو "الحنبل" مثلما تمسى هنا. عن "الحنبل" أو الزربية، يقول محدثنا إنها تصنع بطريقة يدوية، بداية بغزل صوف الخراف، وتلوينها طبيعيا، إلى نسجها يدويا. كلها مهام نسوية، بينما يختص الرجال ببيعها... لكن يضيف - "تغيرت الأمور كثيرا، فالمادة الأولية نادرة وباهظة الثمن. نسج الحنبل يتطلب وقتا وجهدا كبيرين، والمُشتري قليل". كما يضيف في سياق حديثه، "أن كل من جعل من حرفة صناعة الزربية التقليدية اليوم مصدر رزق، يجد نفسه في ضيق كبير، لذات الأسباب. كذلك يظهر السجاد المصنع في المصانع اليوم، تحديا آخر على الزربية التقليدية مواجهته، فالسعر ارخص، لذلك تراجع الإقبال على السجاد التقليدي بشكل كبير". "الحنبل أنواع وأسام .. ورموز للتواصل في مقام آخر، تحدث الشيخ عمر بن ابراهيم عن أنواع الزرابي، فعدد منها "النيلة" وتسمى باللغة المحلية "لاقندورت موزابيت"، تعرف من الرموز التي توجد بها، على غرار المشط، ومائدة وأدوات أخرى ترمز عموما لجهاز العروس... وهناك أيضا زربية "تشربنت اوزيزا" وتسمى أيضا "تشربت انلتش"، تحاك بألوان زاهية، كالأحمر والأصفر والبرتقالي، وتوجد في كل منزل تقريبا. وهناك زربية "الرقمة" بها نقوش رقيقة وتعرف بزريبة بني يزقن، بألوان الأصفر والأخضر...أما عن أسعار الحنبل التقليدي، فيقول عمي عمر إنها تكون حسب حجم السجاد، حيث تتراوح ما بين 1000 دج و30 ألف دينار... وبين هذا وذاك، أسعار مختلفة لأحجام متفاوتة. ولم يعتبر الأسعار معيقا أمام عملية تسويق الزربية، بالنظر إلى جودة العمل اليدوي وإتقانه. وختم الشيخ عمر بن ابراهيم مبديا أسفه لتغيير موقع عيد الزربية الذي كان يقام كل شهر مارس بساحة سوق غرداية، ليقام حاليا في قصر المعارض، قال: "إن هذا أثر كثيرا على التجار بالسوق". المادة الأولية ترمى في الوديان.. والحرفيون يعانون الأمرين عن الحنبل الغرداوي أيضا، حدثنا عز الدين حرفي وتاجر زربية تقليدية بساحة سوق غرداية. حيث قال إنه بات يتأسف عن حالة الحرفيين وصانعي الحنبل التقليدي الذي يعد فخر ولاية غرداية، مرجعا السبب إلى ندرة المادة الأولية، قائلا في هذا الصدد: "المادة الأولية ترمى في الوديان، وتشمل الصوف وجلود الخرفان". ودعا المتحدث كلا من وزارتي الفلاحة والسياحة إلى العمل المنسق والقيام بدراسات مسبقة، حول الاحتياج الوطني من عدد الأضاحي في شعيرة عيد الأضحى، مع تسطير خطة عمل لاسترجاع الصوف والجلود. وهكذا يضيف - يمكن على الأقل توفير كمية لا بأس بها من الصوف، كمادة أولية أساسية في صناعة السجاد التقليدي. ومن بين المقترحات التي يرفعها عز الدين، أن تعمل وزارة الفلاحة على منع بيع الأضاحي بالصوف، حيث لفت إلى أن هذا الأمر يمكن من تحصيل صوف ذات نوعية جيدة، ثم لابد كذلك يضيف- من وجود مصانع لاسترجاع الصوف ونسج الخيوط، مبديا أسفه في هذا الصدد بقوله: "مصانعنا نحن في الوديان التي تأكل المادة الأولية.. ثم يبقى الحرفي يعض أصابعه"، ويضيف: "بعد ذلك لا يبقى أمامه سوى التخلي عن حرفة الأجداد". أما عن وزارة السياحة، فالمطلوب منها حسب محدثنا هو دعم المسارات السياحية، حيث يرى عزالدين أن السياحة كمنظومة عبارة عن سلسلة كبيرة، وكل حلقة فيها لها دور كبير وفعال ...لابد من دعم كل حلقة فيها، لاسيما الخدمات، من نقل وإيواء، وصولا إلى الحرفي وأسواق الصناعة التقليدية. كما طرح في المقابل، إشكالية المادة الأولية المستوردة التي تكون عائقا أمام الحرفي لدمغ السجاد، موضحا: "يواجه الحرفي اليوم رفض دمغ الزربية المصنوعة يدويا، والسبب أن المادة الأولية مغشوشة... نحن نشتري الصوف المستوردة على أنها حرة، لكن في الأخير تظهر أنها كريستال، ثم ينعكس ذلك سلبا علينا"، ويضيف: "بتنا اليوم في حلقة مفرغة ولا ندري أين المفر من كل ذلك، والسبب أنه لدينا مادة أولية ترمى في الوديان لتتعفن"، ثم ختم عز الدين حديثه إلينا قائلا: "بما أنها جزائر جديدة، فنحن نريدها أن تتطور على كل الأصعدة، وألا تدير ظهرها لمشاكل الحرفيين الحقيقية"..