شهدت العاصمة المغربية الرباط، أول أمس، مظاهرة احتجاجية عارمة خرج خلالها آلاف المغربيين للتنديد بغلاء المعيشة التي تثقل كاهل شرائح واسعة من المجتمع، وضد القمع السياسي الذي يتعرض له المعارضون ومختلف النقابات والمنظمات الحقوقية. وتوافد المحتجون من كل أنحاء المملكة للمشاركة في هذه المظاهرة الضخمة، التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية المغربية، للتنديد بمختلف أشكال القمع السياسي وضد الحريات النقابية والتعبير. وفي الوقت الذي حاولت فيه السلطات المغربية التقليل من عدد المشاركين في هذه المظاهرة الوطنية العارمة ما بين 1200 إلى 1500 محتج، أكدت تقارير إعلامية، أنها استقطبت مشاركة ما لا يقل 3 آلاف محتج هتفوا ضد غلاء المعيشة في ظل التهاب أسعار مختلف المواد الأساسية، والذي كوى جيب المواطن المغربي البسيط. وبينما ردّد متظاهرون هتافات من قبيل "الشعب يريد خفض الأسعار" و"الشعب يريد إسقاط الاستبداد والفساد"، أكد آخرون أنهم جاؤوا للاحتجاج "على حكومة تجسّد زواج المال والسلطة وتدعم الرأسمالية الاحتكارية". وليس ذلك فقط، فقد رفض الشارع المغربي اتفاق التطبيع المخزي مع الكيان العبري خلال هذه المظاهرة، التي عرفت مشاركة مناهضي التطبيع الذين يواصلون نضالهم بشتى الوسائل لإسقاط التطبيع وكل ما صاحبه من اتفاقيات مسّت حتى أكثر القطاعات حساسية، على غرار الدفاع والأمن والتربية والتعليم والثقافة. وأكدت هذه المظاهرة الاحتجاجية حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع المغربي الذي يعاني الأمرين من ظروف معيشية مزرية من جهة، ومواصلة نظام المخزن صم آذانه أمام مطالب وتطلعاته شعبه، بل يصر على مواصلة انتهاج مقاربته الأمنية لإسكات كل صوت يعارضه ويخالفه.وتتفاعل، منذ مدة، بوادر انفجار وشيك وسط جبهة اجتماعية مغربية غاضبة كثّفت، في الآونة الأخيرة، من حركتها الاحتجاجية عبر دخول بعض القطاعات الحيوية في إضرابات مفتوحة وأخرى تنظّم مسيرات ووقفات احتجاجية، كثيرا ما تقابلها قوات الأمن بمزيد من القمع والعنف والاعتقالات والحبس في صفوف المحتجين.وعرفت الأسعار في المغرب ارتفاعا بنسبة 7,1 بالمئة شهر أكتوبر الماضي على أساس سنوي، إضافة إلى زيادات في أسعار الوقود والمواد الغذائية والخدمات، إلى جانب الجفاف الاستثنائي الذي يعصف بالمملكة. وكل ذلك أثّر على القدرة الشرائية للفئات الأكثر فقراً وكذلك الطبقة الوسطى بشكل خاص، في مملكة تعاني من فوارق اجتماعية ومناطقية.وحسب مذكرة حديثة للمفوضية العليا للتخطيط، فإن المغرب عاد "إلى مستوى الفقر والضعف لعام 2014" بسبب جائحة "كورونا" التي عصفت، خلال السنوات الثلاث الأخيرة بالعالم أجمع والتضخم. ولكن ما لم تتطرق إليه المذكرة، سواء عن قصد أو عن غير قصد، فإن سياسة نظام المخزن التي تدّعم بارونات الفساد وتزاوج بين السياسة والمال، عمّقت الفوارق الاجتماعية، فازداد الثري ثراء والفقير بؤسا.