استضافت المملكة الأردنية، أمس، قمة إقليمية، هي الثانية من نوعها، تندرج في إطار مساع فرنسية لتسوية أزمات أصبحت تؤرق دول المنطقة المثقلة ببؤر التوتر والصراعات. وعقد مؤتمر "بغداد 2" في مركز "الملك حسين بن طلال" للمؤتمرات على ساحل البحر الميت، ضمن ثاني قمة تعقد بعد قمة أولى، احتضنتها العاصمة العراقيةبغداد شهر أوت 2021 بمبادرة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والسلطات العراقية. وحضر قمة البحر الميت، إلى جانب العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني والرئيس الفرنسي، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى جانب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ومنسق الاتحاد الأوروبي لهذه المحادثات إنريكي مورا. كما عرفت مشاركة وزراء خارجية إيران والمملكة العربية السعودية والأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وعدد من وزراء الخارجية العرب. ودعا الرئيس الفرنسي، في كلمة له، السلطات العراقية للشروع في مسار تسوية سياسية للوضع الداخلي بعيدا عن كل إملاءات خارجية، بقناعة أن العراق تحول إلى مسرح للتأثيرات والتوغلات وزعزعة الاستقرار التي ترتبط بالمنطقة بأسرها، في إشارة واضحة إلى إيران الحاضرة في أشغال القمة بوزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان. وأضاف ماكرون: "أريد أن أخبركم عن ارتباط فرنسا عبر تاريخها من أجل استقرار المنطقة، بعيدا عن كل هيمنة إمبريالية أو في إطار نموذج تريد فرضه من الخارج". وكانت الرئاسة الفرنسية أكدت أن القمة تهدف إلى جمع جيران العراق وشركائه حول طاولة واحدة، في محاولة لتعزيز الحوار و"تقديم الدعم لاستقرار العراق وأمنه وازدهاره وبحث الوضع في المنطقة بأسرها، باعتبار أن العراق بلد محوري فيها". والحقيقة أن الرئيس الفرنسي يريد أن يكون لبلاده دور في حلحلة الأزمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، بعد تراجع دورها في عدة دول بالمنطقة لصالح قوى أخرى سواء الولاياتالمتحدة وحتى إيران والصين الذي يعمل رئيسها، شي جين بينغ، على جعلها نقطة توازن في حلحلة الأزمات الإقليمية والدولية. وبقدر ما شكّلت القمة فرصة للرئيس الفرنسي للظهور بمظهر حلاّل العقد ومحلحل الأزمات، بقدر ما شكّلت اختبارا لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، المعين في أكتوبر الماضي بعد أكثر من عام من الجمود السياسي والذي يعتبر أقرب إلى إيران من سلفه. وتعهد محمد شياع السوداني، في كلمته، بإقامة علاقات متوازنة مع جميع الشركاء الإقليميين والدوليين بعيدا عن المحاور السياسية، ضمن رهان تؤكد كل المؤشرات أنه صعب في منطقة لا تزال غير مستقرة تشهد بعض دولها احتجاجات مناهضة للحكام، في وقت خرج فيه العراق لتوه من أزمة سياسية عاصفة، في حين لا تزال سوريا ساحة معركة بين قوى متصارعة ولبنان منهار اقتصاده وبلا رئيس. ورأت إيران في القمة بأنها قد تشكّل "فرصة" لتحريك المفاوضات حول الاتفاق النووي المتعثرة منذ أشهر، خاصة وأن وزير خارجيتها التقى بممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي يلعب دور المنسّق في المفاوضات النووية. ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه منذ شهر أوت الماضي بين مسؤولين سامين من الطرفين، ويأتي في وقت وصلت فيه المفاوضات بين إيران والغرب إلى طريق مسدود بعد أن كانت كل المؤشرات والمعطيات توحي بقرب إعادة تفعيل اتفاق فيينا النووي الموقّع عام 2015، قبل أن تعود الأمور مجدّدا إلى نقطة الصفر بسبب عدم توافق أمريكي - إيراني حول التنازلات التي يجب على كل طرف تقديمها لإعادة إحياء الاتفاق.