يخاف الكثير من الأباء على أبنائهم من قطع بعض الأمتار بمفردهم خشية اختطافهم أو ضياعهم، ولا ينتبهون للخطر الكبير المحدق بهم عند دخولهم عالم الأنترنت، وفضاءاته الشاسعة التي يتربص لهم فيها تجار الخلاعة والمواقع الإرهابية، بسبب جهلهم بما تخفيه الشبكة العنكبوتية من أسرار وأخطار، هذا الجهل الذي يعود بالدرجة الأولى إلى عدم استعمال الأباء للأنترنت وجهلهم التام بها، في الوقت الذي أصبح فيه الطفل والكمبيوتر صديقين حميمين. في هذا الاستطلاع حاولنا معرفة وجهة نظر الآباء حيال هذا الأمر الهام، ففي الوقت الذي تفطن فيه الغرب إلى الموت القادم من الشبكة المعلوماتية، ودقت نواقيس الخطر للمسارعة في حماية الأبناء من المواقع الإباحية والتحرشات خشية وقوع أبنائهم ضحايا في أيادي تجار الجنس، يدخل الطفل الجزائري المواقع الإباحية والعنيفة بكل حرية، حيث أكدت الإحصائيات التي قدمها المقدم بن رجم من الدرك الوطني على هامش مداخلته في فعاليات اليوم الدراسي لحماية الأطفال في الفضاء "السيبراني" إلى أن 90? المراهقين الذي تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة يدخلون هذه المواقع، في حين احتل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و14 سنة 80?، أغلبهم يدخلون مواقع الألعاب العنيفة، حيث لا تخلو المشاهد من الأسلحة النارية والسيوف القاطعة والدماء المراقة، والبطل طبعا هو الذي يستطيع إراقة دماء كل الذين يتعرضون له!
أخضعت الجهاز للمراقبة السيد ( يوسف.د) 47 سنة موظف وأب لطفلين لم يكن يولي في البداية أهمية للمخاطر القادمة من الجهاز الذي تربع في غرفة ابنه البكر، يقول "لم أمانع لما طلب مني ابني المراهق جهاز كمبيوتر ليساعده في الدراسة، إلا أني لاحظت أنه أصبح شارد الذهن، مضطربا في كل وقت، فطرحت المشكل على زميل لي في الشغل فصرخ في وجهي قائلا "ويحك لقد أشعلت النار في بيتك". ثم اصطحبني إلى مكتبه ورحنا نقلب المواقع علما أنني لا أعرف كيفية استخدام الأنترنت، حيث كنت أكتفي بالنظر فقط، وعندما دخلنا مواقع إباحية عرفت أن ابني قد دخلها، وهو الأمر الذي يفسر نزعه للناقل الكهربائي فور دخولي غرفته، أحضرت زميلي إلى البيت وطلبت منه منع البرامج والمواقع الإباحية فأكد لي أن الأمر صعب جدا، عندها أخضعت الكمبيوتر للرقابة رغم أنني لا أجيد استعماله، لكن خوف ابني مني جعله يصرف النظر عن المواقع الإباحية التي كان يزورها يوميا. وبأسف شديد تحدثت إلينا غنية 43 سنة أم لثلاثة أبناء حول جهلها بالأنترنت وعدم معرفتها لكيفية التعامل مع هذه التقنية التي تحمل كفتين متكافئين، واحدة إيجابية والأخرى سلسة تقول "كم أشعر بالحرج عندما أرى زميلاتي في العمل جالسات أمام جهاز الكمبيوتر سواء للعمل أو خلال البحث عن المعلومات، ونفس الحرج والقلق يعتريني وأنا رفقة أبنائي في البيت، حيث يتداول طفلاي وابنتي على الجهاز في الوقت الذي لا أعرف كيفية التعامل معه أنا وزوجي... فعلا أشعر بالخجل والجهل، إضافة إلى أن انشغالي بمتاعب الحياة يمنعني من التعلم، ومنه الجلوس مع أبنائي وحمايتهم من مختلف الأخطار التي سمعت عنها في البرامج الإذاعية أو الإعلام المكتوب. غرباء في بيتنا أما السيد عبد المجيد الذي يتابع كل كبيرة وصغيرة في حياة أبنائه الخمسة فيؤكد أن جهله باستعمال الأنترنت لم يمنعه من معرفة كل حركة يقوم بها أبناؤه، يقول "تجربتي في الحياة علمتني كيف أتصرف مع أبنائي كصديق حميم، كوني أعرف أنهم يدخلون غرف الدردشة ويتحدثون إلى أشخاص من مختلف البلدان، فنبهتهم إلى أن كل الأشخاص الذين يتحدثون معهم غرباء دخلوا منازلنا ويجب التعامل معهم بحذر، وشجعت أبنائي الذكور وحتى الإناث على أن يطلعوني على بعض ما جاء في دردشتهم وأحاول بخبرتي كأب أن أكتشف النوايا الحقيقية للمتحدثين، وبعدها تبدأ عملية فصل بعض الأشخاص من القائمة!!. عجزت عن حماية أبنائي أما السيدة علجية وزوجها السعيد فتأسفا لعدم معرفتهما لكيفية التعامل مع الأنترنت، خصوصا أن أحد أبنائهما أصبح مدمن كمبيوتر، ولا يغادر محل الأنترنت إلا للنوم في البيت، "لقد أصبح مهدي عصبيا جدا وقليل الاكل منذ وطأت قدماه محل الانترنت منذ سنة، حيث أصبح على علاقة عاطفية بفتاة من الخارج، وهو يحضر نفسه للارتباط بها.. لقد أصبح مهووسا بهذا الأمر ولا يفكر سوى بالوقت الذي حدداه للقاء في نهاية السنة، حيث وعدته بزيارة الجزائر.. صراحة لقد عجزت عن حماية أبنائي، حيث لجأ رياض 28 سنة إلى طريقه أخيه وأصبح هو الاخر يبحث عن صديقة مناسبة في غرف الدردشة. وقد أوضحت دراسة أعدتها كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة لندن أن 57? من المراهقين طالعوا مواقع إباحية، وأن الأباء يحتاجون إلى المزيد من التوعية بشأن كيفية الحديث عن المزايا والعيوب التي يمكن الاطلاع عليها عبر شبكة الأنترنت.