استطلعت "المساء" من خلال الاحتكاك بعدد من الفاعلين بالمجتمع المدني والمتبرعين وأولياء المرضى، أهم الأسباب التي مازالت تقف عائقا أمام التحلي بثقافة التبرع بالدم بصورة تلقائية ومنتظمة، كان ذلك على هامش الاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم الذي احتضنته إذاعة البليدة الجهوية في التفاتة تضامنية؛ تكريسا لدورها الإعلامي في توعية عامة الناس بأهمية هذا الواجب الإنساني في إنقاذ الأرواح، وتصحيح المعتقدات الخاطئة حول هذا السلوك النبيل. جمعية "الرجاء" الخيرية لمساعدة مرضى السرطان: الاعتقاد ببيع الدم يُرهب المتبرعين البداية كانت مع رئيس جمعية "الرجاء" الخيرية لمساعدة مرضى السرطان، ياسين محيي الدين، الذي أكد في بداية حديثه مع "المساء"، أن "ثقافة التبرع بالدم لاتزال ضعيفة، وهو ما يعكس النقص المسجل على مستوى بنوك الدم الموجودة بالبليدة مقارنة بالطلب الكبير"، مشيرا إلى أنه تَبين للجمعية من خلال مشروع "رياحين البليدة"، أن أسباب العزوف راجعة إلى وجود العديد من المعتقدات الخاطئة التي لاتزال تحول دون قدوم المتبرع إلى المستشفى بصورة تلقائية من أجل التبرع. وحصرها المتحدث في أسباب، ذكر منها: "الاعتقاد الخاطئ بأن الدم يباع، وهو من المعتقدات التي راجت في السنوات الأخيرة". وأوضح في هذا الشأن: "نؤكد في هذا الإطار، أن الدم المتبرَّع به لا يباع. وأكثر من هذا، تعامُلنا الدائم مع مراكز التبرع بالدم، يجعلنا نؤكد على أنه لا وجود، مطلقا، لهذا الاعتقاد، وإنما يجري إنفاق بعض المبالغ المالية على مستوى المخابر التي تتولى فحص الدم، والتأكد من سلامته. ولعل هذا ما جعل الاعتقاد السائد بأنه يباع، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، هناك من يعتقد أن المتبرع قد يصاب ببعض الأمراض"، مردفا: "من خلال هذا المنبر وبحكم تجربتها الطويلة في مجال الإشراف على حملات التبرع بالدم، نؤكد، في كل مرة، على أن العملية يشرف عليها طاقم متخصص. وكل الأجهزة المستعملة معقمة، وتُستخدم مرة واحدة". وأكثر من هذا، يضيف المتحدث: "المتبرع سيجدد من خلال هذه العملية، دورته الدموية. ويستفيد من فحص مجاني. ويمكن أن يكون التبرع بالدم وسيلة للتأكد من خلوه من الأمراض، وبالتالي فإن ما يستفيد منه أكثر بكثير مما يتبرع به". ومن جملة الأسباب التي تجعل ثقافة التبرع بالدم ضعيفة، "الجهل"، حسب رئيس الجمعية، موضحا: "الجهل بمدى حاجة المرضى إلى هذا العنصر الحيوي الذي لا تتجاوز مدة صلاحيته عشرين يوما. وأمام الطلب الكبير من المرضى وضحايا حوادث السير، فإن الحاجة تكون كبيرة إلى الدم، وبالتالي، يضيف: "أعتقد أن المواطنين بحاجة إلى التقرب من المستشفيات، للوقوف على مدى أهمية هذا العنصر الحيوي في إنقاذ الأرواح، خاصة في ما يتعلق بالزمر السلبية عموما، التي تُعد قليلة، وبالتالي حبذا لو يكون لدينا بالمستشفيات متبرعون دائمون، لا سيما في الزمر السلبية إذا ما احتاجت إليهم، يجري الاتصال بهم لتسهيل المهمة". وأعلن محدث "المساء" عن اعتماد الجمعية على طريقة جديدة في إطار "مشروع رياحين"؛ لتحفيز المواطنين على التبرع بالدم؛ من خلال استهداف في أول الأمر، الجمعيات، والأعضاء، وأسرهم، ثم الانتقال كمرحلة ثانية، إلى المؤسسات التي تحوي على عدد كبير من الموظفين، "وعوض انتظار المواطن للتقرب من أجل التبرع بدمه، ننتقل إليه؛ علّ وعسى تساهم هذه الخطوة" يختم المتحدث "في تنمية الوعي بأهمية الإقدام على التبرع بالدم، والتحلي بهذا السلوك بصورة دورية ومنتظمة". الدكتورة مخباط من مركز حقن الدم بالبليدة: الخوف وجهل فوائد التبرع وراء عزوف المتطوعين أكدت الدكتورة مخباط، طبيبة في مركز حقن الدم بالبليدة، من جهتها، أن اليوم العالمي للتبرع بالدم الموافق ل 14 جوان من كل سنة، هو محطة هامة، يجري فيها تذكير عامة الناس بأهمية التبرع بالدعم، والتحلي بهذا السلوك الإنساني، موضحة: "نضرب مَثلا بالمتبرعين الدائمين، الذين رغم قلتهم نعوّل عليهم، في كل مرة، لإنقاذ الأرواح أمام التراجع المسجل في التبرع بالدم". وحسبها، فإن من بين الأسباب التي تجعل المواطن لا يتحلى بهذا السلوك الإنساني، جهله بالفوائد العديدة للتبرع بالدم، ومنها إنقاذ الأرواح، خاصة بالنسبة للمصابين بأمراض الدم، وكذا ضحايا حوادث السير، والتي يُعتبر أجرها كبيرا عند الله، وكذا عدم الوعي بالمكاسب الكثيرة التي لم ترسخ بعد في ذهن المترددين، مؤكدة أن عملية التبرع بالدم فرصة لتنشيط الدورة الدموية، وإنقاص نسبة الحديد في الدم الذي يُعد من الأسباب الهامة وراء الإصابة بأمراض القلب. وأكثر من هذا، فإن ما ينبغي للمواطن معرفته، أن من يتبرع مرة واحدة في السنة، لا يكون عرضة للإصابة بسرطان الدم، أو يتعرض للإصابة بالأمراض الخاصة بجريان الدم في العروق. ومن جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن التبرع بالدم ساعد في لفت انتباه كثير من المواطنين، إلى إصابتهم ببعض الأمراض التي كانوا يجهلون وجودها، وأن القول بأن عملية التبرع بالدم تتسبب في نقل الأمراض، دليل على أن المعلومات لاتزال خاطئة، وأن الوعي المجتمعي حول أهمية التبرع بالدم لايزال ضعيفا؛ لهذا قالت: "نحاول في كل مرة التوعية والتحسيس عبر مختلف المنابر الإعلامية؛ لأهمية التبرع بالدم وفوائده من خلال المشاركة في مختلف الحملات التحسيسية لتنمية الوعي، والرفع من معدل المتبرعين الدائمين". لمياء حسيب أم لشاب مصاب بمرض الثلاسيميا: الجهل بمعاناة المرضى يغيّب المتبرعين اختارت السيدة لمياء حسيب، أم لشاب عشريني مصاب بمرض "الثلاسيميا"، وهو مرض من أمراض الدم، أن تنقل حجم معاناتها الدورية كلما احتاج فيها ابنها إلى الدم، حيث قالت في دردشتها مع "المساء"، بأنها تعتقد أن أهم الأسباب التي جعلت ثقافة التبرع بالدم ضعيفة، عدم الشعور بحجم المعاناة التي يعيشها المرضى عندما يقصدون المستشفيات من أجل التزود من الدم، فيكتشفون أن الدم غير موجود، فيضطرون للانتظار لأكثر من أسبوع، وكيف تكون حياتهم مهددة، مشيرة إلى أن ابنها أصيب بالمرض منذ الولادة؛ حيث تلقّى أول كيس من الدم في عمر ستة أشهر، ثم أصبح لديه برنامج طبي صارم، من أجل البقاء على قيد الحياة؛ من خلال التردد على المستشفى كل 21 يوما للتزود من الدم، مردفة: "وكم تكون صدمتنا كبيرة عندما نصل إلى المستشفى ويقال لنا بأن كميات الدم المطلوبة غير متوفرة، فيكون عزاؤنا الوحيد التضرع لله، وتوجيه نداءات؛ في رحلة بحث عن متبرع". ومن جهة أخرى، أشارت المتحدثة إلى أن في ما مضى، كان النقص في كميات الدم يسجَّل أحيانا، أما اليوم وأمام التراجع الكبير في عدد المتبرعين خاصة بعد أزمة "كورونا"، "أصبحنا نشعر بالحاجة الملحة إلى هذا العنصر الحيوي"، مردفة: "لكم أن تتصوروا ما يشعر به المريض عندما يقصد المستشفى أملا في الحصول علىالدم، فيقابَل بعبارة "اصبر" أو عبارة "اِذهب إلى المنزل حتى نتصل بك". هذه العبارة، تقول أم المريض: "لا يشعر بحجمها وثقلها إلا من كان في أمسّ الحاجة إلى الدم". وبالمناسبة قالت: "أتوجه إلى عامة الناس من أجل أن يقاسمونا حجم ما نعانيه، وأن يُقبلوا على المستشفيات من أجل التبرع لإنقاذ أرواح هؤلاء المرضى، أمام الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية بالنظر إلى ارتفاع عدد المرضى المحتاجين إليها، على غرار المصابين في حوادث المرور، وحتى الخاضعين للعمليات الجراحية، التي تتطلب، هي الأخرى، كميات كبيرة من هذا العنصر الحيوي". شريف بوغداوي نموذج يُحتذى به أكبر متبرع نظامي بالدم ينقل تجربته شارك المتبرع النظامي شريف بوغداوي صاحب 65 سنة، في حملة التبرع بالدم المنظمة من طرف إذاعة البليدة، وقال في معرض تصريحه ل "المساء"، بأن قصته مع التبرع بالدم بدأت قبل سنة 2001؛ حيث خضعت ابنة أخته لعملية وكان واحدا من المتبرعين بالدم. وعند دخوله المستشفى شعر بحاجة المرضى إلى الدم، فكانت بداية المشاركة في مختلف الحملات التي يجري تنظيمها، مشيرا إلى أن تردده في كل مرة على المركز من أجل التبرع، جعل القائمين على العملية يعدّون له بطاقة، ليتحول، بعدها، إلى متبرع دائم ونظامي. وحسبه، فإن شعوره بأهمية القيام بهذا الواجب الإنساني، لم يتوقف على مستواه فقط، بل أصبح يحث غيره على ضرورة التحلي بهذا السلوك، خاصة أن لديه فوائد كثيرة؛ إذ تمكن، حسبه، من إقناع عدد من زملائه بالإقبال على التبرع في كل مرة تسمح لهم الظروف بذلك، خاتما بقوله: "يكفينا شرفا أن نحوز على أجر المتبرع بهذا السائل الحيوي، وأن نشارك في إنقاذ الأرواح". الفنانة القديرة بهية راشدي: التبرع بالدم من مشاريعي الإنسانية التي أعمل عليها اختارت الفنانة القديرة بهية راشدي، أن تشارك، هي الأخرى، في حملة التبرع بالدم؛ من خلال تذكير المواطنين بأهمية التبرع بهذا السائل الحيوي. وقالت في معرض تصريحها ل "المساء"، بأنها تفرغت في السنوات الأخيرة، للقيام بالأنشطة الإنسانية، مؤكدة أن التبرع بالدم يُعد واحدا من الأعمال النبيلة التي تبنتها؛ لما فيها من إنقاذ للأرواح؛ من أجل هذا ارتأت أن ترافق جمعية الرجاء الخيرية؛ من خلال الوقوف إلى جانبها، ومشاركتها مختلف النشاطات التحسيسية في حث المواطنين على التبرع بالدم، معتبرة أن دورها يكمن في التحفيز على التبرع، والمشاركة في رفع الوعي المجتمعي، خاصة أن المجتمع الجزائري، حسب قولها: "عوّدنا في أكثر من مناسبة، على التحلي بروح المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالتكافل والتضامن الاجتماعي".