شهد صالون الكسكسي الذي احتضنته ولاية البليدة مؤخرا في طبعته الأولى تحت شعار "كسكس الأطلس البليدي"، حضورا مكثفا من طباخين من مختلف ولايات الوطن، لعرض مختلف الأنواع التي تشتهر بها مناطقهم، وليتنافسوا على "البنة" والذوق الأصيل، وطريقة التقديم التقليدية، لتنتهي المنافسة بتتويج كسكس ولاية تيبازة للطباخ علي ولد عيسى، بالمرتبة الأولى، تليه الطباخة حميدة باشا بالمرتبة الثانية من العاصمة، فيما عادت المرتبة الثالثة إلى الطباخة شريفة من العاصمة أيضا. "المساء" اقتربت من بعض الطباخين الذين تفنّنوا في تحضير الكسكسي بوصفات مختلفة تباينت بين المالحة والحلوة. وعن سر تمسّك المطبخ الجزائري بهذا الطبق الشعبي التقليدي، عادت بهذه الأصداء. أجمع المشاركون في فعاليات الصالون الوطني الأول للكسكسي الذي احتضنته ولاية البليدة مؤخرا وعرف مشاركة مميزة من أكثر من 13 ولاية، على حبهم الكبير لهذا الطبق التقليدي المتوارَث؛ الأمر الذي دفعهم إلى التخصص فيه؛ حيث حاول كل واحد من هؤلاء الطباخين، إبراز أهم الخصائص والمميزات التي ينفرد بها في تحضير هذا الطبق الشعبي عن غيره من أطباق الكسكسي الأخرى، فكان التنوع حاضرا سواء من حيث طريقة التحضير، أو العرض، أو حتى الذوق. وامتد هذا الاختلاف ليشمل حتى التسميات لطبق واحد، وهو الكسكسي؛ مثل "الحمامة البليدية"، و"البربوشة"، و"المسفوف"، و"السفة" وغيرها. وعلى الرغم من اشتداد المنافسة بين العارضين، وهو ما وقفت عليه "المساء" من خلال محاولة تقديم الطبق في أبهى حلة له بالطريقة التقليدية، إلا أن الهدف حسب منظمة الصالون حبيبة مهدي رئيسة الهيئة الوطنية للصناعات التقليدية هو الوصول إلى الحفاظ على هذا الموروث التقليدي، والترويج لهذا الطبق العريق، والحث على البحث فيه لاكتشاف وصفات أخرى، مع التأكيد على ضرورة تنظيم العديد من المعارض للتعريف به أكثر، خاصة بعدما تم تصنيفه من طرف اليونيسكو في سنة 2020. الطباخ علي ولد عيسى من تيبازة: تخصصت في الكسكسي وتحكمت في كل أسراره يقول الطباخ علي ولد عيسى من ولاية تيبازة، بأن تعلقه بتحضير الكسكسي جعله يقرر التخصص فيه. تعلَّمه على والدته، واليوم أصبح من أشهر الطباخين على مستوى ولاية تيبازة. مختص، فقط، في تحضير طبق الكسكسي. ولديه خبرة في المجال تزيد على 30 سنة. وقال على مدار كل هذه السنوات، أصبح يحسن التحكم في كل أسرار تحضير الكسكسي التقليدي؛ حيث أكد أن طريقة تحضيره بكل ولايات الوطن، تقوم على غسله، ووضع كمية من الزيت و "تفويره"، غير أن الاختلاف في التحكم في بعض الأسرار التي تجعل هذا الطبق يحضَّر، كما يقال، "على حبة". وتكون "البنة" حاضرة بقوة. وهو ما تمكن من إتقانه بغض النظر عن الكمية التي يحضرها؛ إذ أصبح قادرا على التحكم في المقدار المحضَّر، وكمية الماء المستخدَمة، و«هذا هو مفتاح نجاح الكسكسي". وأهم ما يميز كسكسي تيبازة، حسب المتحدث، هو المرق الأبيض، والمزاوجة ما بين الدجاج واللحم. والأصل فيه أن يؤكل بالحمص فقط، مشيرا إلى أن الطباخين في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه التظاهرات؛ من أجل التعريف أكثر فأكثر بهذا الموروث التقليدي، "الذي لايزال بحاجة إلى البحث فيه؛ لاكتشاف وصفات ليست معروفة، خاصة بعدما أصبح الكسكسي مطلوبا بكثرة، من الأجانب، الذين يقصدون ولاية تيبازة خلال الموسم السياحي". الطباخة الحاجة فتيحة أمالو من البليدة: كسكس "الحمامة" غذاء وعلاج حدثتنا الحاجة فتيحة أمالو عن سر "البنة" في أشهر طبق تقليدي بولاية البليدة، وهو "الحمامة". وقالت في دردشتها بأن ولاية البليدة معروفة منذ قديم الزمان، ب«الحمامة" التي تنفرد بطريقة خاصة في تحضيره؛ حيث تجتمع عدة أنواع من أعشاب جبال الشريعة. وأشارت محدثة "المساء" إلى أنه يحضَّر بأكثر من 120 عشبة عطرية وطبية؛ منها "الحلحال"، و«الزعتر"، و«النابطة"، و«تيمرزاد"، و«الفرعونة"، و«بونافع"، فيتم تجفيفها، وطحنها، وخلطها، وتقدَّم مفتولة مع الكسكسي صباحا. وحسبها، فإن "أهم ميزة في هذا الطبق، الأعشاب العطرية التي تخلَط مع السميد من أجل تحضير الكسكسي، والتي تضمن سر البنة فيه"، مردفة أن "الأبحاث أكدت أن كسكسي الحمامة له خصائص غذائية وعلاجية كثيرة بالنظر إلى الأعشاب الطبية والعطرية التي يحتوي عليها. وأكثر من هذا، يقدَّم مع الرائب، أو زيت الزيتون". وأشارت المتحدثة إلى أن طريقة أكل كسكسي "الحمامة" في حد ذاتها، تختلف. ولعل هذا ما يصنع التميز في هذا الطبق التقليدي، ويجعله منفردا؛ فإذا أكلته بزيت الزيتون تحصل على ذوق مختلف عما إذا أكلته بالرائب، أو السكر، مشيرة إلى أن ولاية البليدة لاتزال تحافظ على هذا الطبق، من خلال المشاركة به في مختلف المعارض، والتعريف به خاصة للأجيال الجديدة التي لا تعرفه ولم تتذوقه حتى، وبالتالي فالمعارض فرصة للترويج له. المهتمة بالطبخ التقليدي نعيمة جعفر من البويرة: "الطعام همّة ولو كان بالما" سعت المهتمة بالطبخ التقليدي نعيمة جعفر خوجة من ولاية البويرة، إلى عرض طبق الكسكسي التقليدي الذي تشتهر به الولاية، والذي لايزال يُفتل في المنازل، ويقدَّم بالطريقة التقليدية، وهي التي أشارت إلى أن شعبية طبق الكسكسي، استُمدت من كون هذا الطبق يحضَّر في المناسبات والأفراح والولائم؛ لذا لا يمكن الاستغناء عنه. كما هناك كثير من الأنواع؛ فعلى مستوى ولاية البويرة، تقول: "لدينا كسكسي الشعير والبلوط، وطعام الصدر أو ما يسمى "البربوشة" التي تُعد من قشور القمح، وطعام الوليمة الأبيض". وحسبها، فإن ولاية البويرة تحتوي على أنواع مختلفة من الوصفات لتحضير هذا الطبق الشعبي، لايزال بعضها غير معروف. وحول طبق الكسكسي المشهور على مستوى ولاية البويرة، أكدت المتحدثة أن كسكسي الوليمة يقدَّم أبيضَ، مرفقا باللحم، والقرع، والجزر، والحمص والزبيب. والعبرة في إضافة الزبيب عند تقديمه حتى يمكن أكله بطريقتين؛ إما بالمرق، أو باللبن، مشيرة إلى أن المقولة المشهورة لزوار الولاية: "راني جاي ناكل الطعام"، دليل على مدى شعبية هذا الطبق العريق، الذي يصدق عليه المثل الشعبي: "الطعام همّة ولو كان بالما". الطباخ عبد الله غلام من ولاية غليزان: البحث عن وصفات قديمة لإعادة إحيائها اختار المهتم بالطبخ التقليدي عبد الله غلام من ولاية غيلزان، أن يشارك بطبق "السفة" الذي تشتهر به ولايات الغرب الجزائري، موضحا أنه حاول أن يبرز أهم الخصائص التي ينفرد بها كسكسي ولاية غليزان عن غيره؛ إذ يقدَّم، حسب العارض، "بالعسل والمكسرات وكل أنواع الفواكه الجافة"، مشيرا إلى أن الكسكسي الذي يحضَّر بالمرق، يُستخدَم فيه نوعان من الخضار، وهما اليقطين واللفت، وهو الأكثر شيوعا على مستوى الولاية. وحسب المتحدث، فبعدما تم تصنيف طبق الكسكسي، يجري على المستوى الوطني، التخصص في هذا النوع من الأطباق الجزائرية الأكثر شعبية، والبحث أكثر في التراث الجزائري، عن بعض الوصفات غير المعروفة؛ لإحيائها والترويج لها؛ لأن أهم ميزة ينفرد بها الكسكسي الجزائري عن باقي الأطباق المشهورة في مختلف الدول، كونه يحضَّر ويقدَّم بعدة طرق، وهذا ما يجعله منفردا ومميزا. الشاف محمد نجيب قبايلي من ولاية تبسة: الكسكسي رمز للمناسبات السعيدة والأفراح أبدع الشاف محمد نجيب قبايلي من ولاية تبسة، في الترويج لأشهر طبق كسكسي تتميز به الولاية؛ حيث أشار في معرض حديثه، إلى أن ولاية تبسة تنفرد بأربعة أنواع من الكسكسي، وهي كسكسي "المرغد" الذي يحتوي، في حد ذاته، على نوعين؛ كسكسي بالبصل والحليب، وآخر بالبصل فقط، و«المسفوف"، وكسكسي اللبن، وكسكسي الأعراس بالمرق الأحمر، و"السفة" بالعسل الحر. وأشار محدث "المساء" إلى أن الكسكسي لايزال من أحب وأشهر الأطباق على مستوى الولاية، يتم تحضيره في كل البيوت في الأيام العادية. ويُعد رمزا للمناسبات والأفراح، ويحضَّر بطرق مختلفة. وحسبه، فإن أهم ما تنفرد به ولاية تبسة والذي انعكس على طبق الكسكسي، هو تواجد الأعراش فيها؛ مثل النمامشة والقبائل؛ الأمر الذي انعكس على كل أنواع أطباق الكسكسي، موضحا: "ولذا أعتقد بحكم تجربتي، أن الكسكسي الجزائري لايزال بحاجة إلى البحث فيه أكثر، عن الأنواع والوصفات الأخرى غير المعروفة". الشاف بشرى عظام عن لجنة التحكيم: "البريستيج" يهدد خصوصية الكسكسي التقليدي أكدت الشاف بشرى عظام عن لجنة التحكيم، أن الجزائر بحاجة إلى تنظيم مثل هذه المعارض بالنظر إلى دورها الهام في الترويج لهذا الطبق التقليدي، الذي تشير الأبحاث التاريخية إلى أنه يعود إلى عهد ماسينيسا؛ حيث وُجد في مقابر الرومان. كما عُثر على قِدر تحضير طبق الكسكسي، في مقابر الرومان. وذكرت محدثة "المساء" أن الهدف من مثل هذه المعارض، توفير الحماية لهذا الطبق العريق، خاصة أن أغلب الطباخين اتبعوا ما يسمى "أطباق البريستيج"، مردفة: "وبالتالي، خوفا من أن يضيع الكسكسي التقليدي في ظل العصرنة، نحاول من خلال مثل هذه التظاهرات، حث الطباخين على الحفاظ على الوصفات التقليدية، وعلى طريقة التقديم؛ لأن كل هذه التفصيلات لديها دور هام في الحفاظ على خصوصية الأطباق التقليدية التي تعكس هويتنا، لا سيما أمام السرقات، التي أصبحت تطال موروثنا التقليدي". وأشارت، في السياق، إلى أن الصحراء وحدها تحتوي على نحو 60 نوعا من الكسكسي المعروفة فقط، أما على مستوى ولاية قسنطينة، فهناك أكثر من 45 نوعا؛ ما يعني أن الجزائر تحتوي على أنواع كثيرة جدا من الكسكسي، قد تتشابه في طريقة تحضيره، غير أنها تختلف في الذوق وطريقة التقديم؛ الأمر الذي يستوجب الحفاظ عليه، والدفاع عنه.