أعطيت أوّل أمس بالمسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي" إشارة انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر الدولي للمسرح الذي يكتسي في طبعته الافتتاحية ألوان القارة السمراء ويتّخذ من المسرح الإفريقي موضوعه الرئيسي. في كلمته الافتتاحية؛ أشار محافظ المهرجان الأستاذ إبراهيم نوّال إلى أنّ الجزائر المكافحة التي مرّت بمحطات فارقة وكبيرة عبر تاريخها الطويل أبت إلاّ أن تحتفي بانتمائها القاري في أوّل طبعة من مهرجانها الدولي للمسرح الذي شاءت الأقدار أن يتزامن تنظيمه مع احتضان الجزائر لثاني طبعة من المهرجان الثقافي الإفريقي . ولأنّ ملحمة إفريقيا نابعة منذ الأزل من الروح الاحتفالية المرحة لشعوبها والمسكونة بنداء أسلافها والتي تتقاطع في كثير من المفاصل، أبرزها نضال مبدعيها الذي أدى إلى التحرّر من كلّ أشكال العبودية والتبعية، ولأنّ هذه الأرض هي موطن الأحرار - يقول المحافظ- "أردنا لهذا الموعد الاستثنائي أن يكون حاضنا للجمال الإفريقي، الإبداع الإفريقي والطموح الإفريقي"، ليشير إلى أنّ الجزائر سعت خلال هذا الحدث الهام إلى استجماع كلّ الشروط الضرورية ليكون هذا المهرجان الثقافي في مستوى حبّ الجزائر لإفريقيا ولهويتها. "إنّ إفريقيا -يضيف المتحدث- وعبر مسيرتها النضالية الصعبة كانت دائما تعتمد الاحتفالية كوسيلة تطهيرية في أفراحها وأتراحها منذ التاسيلي إلى التحرّر من شراسة الأبرتايد، وهكذا نسعى أن يكون هذا المهرجان الذي يعني لنا كجزائريين الكثير، لأنّه شهر الاستقلال والانعتاق والمضي قدما نحو مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا". من جهتها، أرسلت وزيرة الثقافة خليدة تومي رغم غيابها عن افتتاح التظاهرة بكلمات تحية وشكر لضيوف الجزائر من المسرح الإفريقي قرأها نيابة عنها المدير العام للمسرح الوطني الجزائري ورئيس دائرة المسرح في المهرجان الثقافي الإفريقي، أكّدت من خلالها أنّ الجزائر كلّها إفريقيا وأنّ إفريقيا لا عنوان لها غير الجزائر، مضيفة في معرض كلمتها أنّ الإبداع هو سفير الروح أيّا كان شكله ولونه، وأنّ المهرجان الثقافي الإفريقي هو ملتقى النوايا الإفريقية الحسنة، ملتقى المبدعين. وأضافت الوزيرة أنّ إفريقيا غيّرت رؤية العالم، فالأوروبي لم ينهب فقط ثروات إفريقيا من بترول وذهب وألماس وإنسان وإنّما استلهم فلسفة الحياة من إفريقيا، من تغاريد طيورها، من شمسها، من إيقاعاتها الموسيقية، استلهم منها عمق فلسفتها الإبداعية، واكتشف فيها أشكالا جديدة في الحياة لم يكن ليعرفها ويتعامل معها لولا إفريقيا، على حدّ تعبير وزيرة الثقافة. واعتبرت تومي أنّ إفريقيا صنعت ملحمة تحرّر الإنسان في عصرنا الحديث من جميع أشكال الاستعمار تماما، كما أسّست لأشكال الحضارة الأولى، "إنّ كبار المسرحيين العالميين يعترفون بأنّ أعمالهم التي صفّق لها كثيرا في أوروبا لم تكن في جوهرها إلاّ لحظات مهرّبة من حياة الإفريقي، وأحسن دليل على ذلك أنّّ لنا الآن أسماء افريقية تصنع عالميا الحدث الثقافي يوميا". وشهدت السهرة الافتتاحية التي حضرها جمع كبير من أعضاء الفرق الموسيقية المشاركة في المهرجان تكريم العديد من وجوه المسرح الإفريقي بداية بأعمدة المسرح الجزائري، حيث كرّم المهرجان الفنانة الكبيرة السيدة نورية التي حضرت رغم تعبها الشديد، وسيدة الخشبة الجزائرية الفنانة كلثوم التي غابت بسبب مرضها وكذا الفنان الراحل ولد عبد الرحمان كاكي والفنان المعروف سيد علي كويرات وكذا صاحب "العيطة" الفنان امحمد بن قطاف والفنان طه العامري الذي أعطى الكثير هو الآخر للمسرح الجزائري. ومن الجانب الإفريقي، كرّم المهرجان العديد من الأسماء التي صنعت للمسرح الإفريقي اسما ووجودا على غرار الممثل والمخرج والمصمّم السينوغرافي السوداني علي مهدي، كينغان داوغو جون بيار من بوركينا فاسو، أسامة دياخات من السينغال، الكاتب كولسي لامكو من التشاد، الكاتب والممثل والمخرج المسرحي التونسي محمد إدريس الذي غاب عن الموعد، سوتيجي كويات من المالي الذي جاء رغم مرضه الشديد، سويينكا من نيجيريا، سيديكي باكابا ورنار دادي من كوت ديفوار وأوسمان دياكيتي من السينغال. كما شهدت السهرة تقديم عرض فيديو أخرجه عبد الناصر خلاف وتعليق عبد السلام يخلف استعرض خلاله أعلام المسرح الإفريقي وتنوّع الثقافة والفنون، إلى جانب العرض المسرحي "البطون المملوءة والبطون الفارغة" من توقيع المخرج المسرحي أحمد خودي. يذكر أنّ الدورة الأولى لمهرجان الجزائر الدولي للمسرح بطبعته الإفريقية سيشهد تقديم أكثر من 39 عرضا في كلّ من قاعة "الحاج عمر"، قاعة "الموقار" وقاعة المسرح الوطني.