لم يتمكّن المخرج والممثل الليبي مفتاح إبراهيم الفقيه من كبح عواطفه المتدفّقة تجاه المسرحي الكبير وفقيد أب الفنون عبد القادر علولة، بحيث وقف عنده مطوّلا وعلى ذكراه ودوره المتميّز في تدعيم ركائز المسرح الجزائري، وبكثير من المشاعر، عبّر عن فخره بالجزائر التي تحدّت العالم كلّه من أجل نهضة إفريقيا والرهان على الثقافة كحجر أساس للوصول إلى ذلك، من خلال إعادة بعث المهرجان الإفريقي بعد أربعة عقود..يشارك الفقيه في اليوم الأخير من الملتقى المسرح الإفريقي المنظّم ضمن مهرجان الجزائر الدولي للمسرح، في مداخلة عنوانها "مسرح ما قبل المسرح".. قصدته "المساء" وكان هذا اللقاء.. - نترك لكم خيار بداية هذا اللقاء .. * مفتاح إبراهيم الفقيه مخرج وفنان، معروف على مستوى الأوساط المسرحية العربية شاركت في عدد كبير من المهرجانات المسرحية العربية من بينها مهرجان المسرح العربي في سوريا، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كما كنت أكثر من مرّة عضوا في لجنته الثقافية وقدمت محاضرات عديدة عن الحركة المسرحية في المهرجان، وبطلا لعدد من أعماله مثل مسرحية "جالو" التي نالت عددا من الجوائز في مهرجانات محلية وعربية..وسامحيني في أخذ جزء من الحديث لألقي تحية لكلّ الإخوان المشرفين على هذا المهرجان الإفريقي والدولي للمسرح لرعايتهم وتركيزهم على المهنية العالية في إدارة هذا المهرجان..أثني عليهم وأشدّ على أيديهم. المهرجان الإفريقي الثاني يعود بعد 40 سنة.. حدث جميل وهذا ليس غريبا عن الجزائر، جزائر النضال والإبداع والثقافة.. الجزائر هي المرحوم عبد القادر علولة الذي كانت تربطني به علاقة صداقة، حب ووفاء وأعتبره رمزا من رموز العالم.. حينما أجد نفسي في الجزائر لابد أن أتذكّر هذا العملاق الشامخ والإنسان، تعلّمنا منه الكثير وتعرّفت عليه والحقيقة لازلت أتعلّم..(يضيف متلعثما مرتعشا) سامحيني لو أخذت جزءا من الحديث.. على هذا العملاق لأنّه فعلا كذلك.. أرادوا أن يقتلوا الإبداع، الفن، الحب وكل شيء في الإنسان، تعلّمنا منه المسرح بالأصالة والعودة إلى الجذور والتراث والتحدّث بلغة الصمت.. حبذا لو يحظى بالرعاية بحجم الاهتمام بشكسبير في أوروبا. - هل ترون في فكرة العودة بالمهرجان بعد 40 سنة منطلقا لإعادة بعث فكرة النهضة الثقافية لاسيما وأنّ الدورة الثانية تحمل شعار "عودة إفريقيا"؟ * من المفروض الرجوع إلى الأصالة، والجزائر بعد 40 سنة أحيت هذا التراث الذي كاد أن ينساه الجيل الحالي والقادم من الشباب، وإعادة بعث المهرجان فكرة جميلة وليس بغريب على الجزائر أن تكون لها مثل هذه المبادرات المتميّزة في عالم المسرح الإفريقي والعربي وترجعنا لأصالتنا وجذورنا..دائما نتحدّث عن الجذور لأنّه للأسف النفايات الغربية أفسدت كلّ ما هو جميل.. نحن نرفض المزايدات الغربية والغريبة عن تراثنا وأصالتنا. - حدّثونا عن حضوركم إلى الجزائر والمشاركة في ملتقى مهرجان الجزائر الدولي للمسرح؟ * ألخّص محاضرتي على الأعراس في ليبيا، كيف كانت طقوسها وكيف كانت العراسة والهودج والجمل والعروسة والمناظر الجميلة والتراثية التي كانت تكتسيها، وكيف اندثر الإرث الحضاري وتشوّه وكيف مسختنا في الحقيقة بعض الأشياء والمظاهر الوافدة من المجتمعات الغربية، بحيث مسخت كلّ شيء جميل وأصيل للأسف.. يجب دقّ ناقوس الخطر والعمل على المحافظة عليها ومثل هذا المهرجان كفيل بذلك..والذي نتمنّاه هو أن يستمر. مشاركتي تكون بمداخلة بعنوان "المسرح ما قبل المسرح" يعني أني ضربت المثل بالعرس الذي كان قائما قبل 20 قرنا، وحتى قبل أن تظهر كوميديا الفن والظواهر مثل الأعراس التي كانت موجودة كإرهاصات أولى لميلاد فن المسرح، والدليل ما هو حاصل بإفريقيا دون مزايدة أحد في أصالتنا وثقافتنا.. كان هذا الفن موجودا عندنا وجذوره موجودة في إفريقيا و"العراسة" كجذر من الجذور، لكن لم تقنّن ولم تدوّن في كتب ولم يعتن بها والحقيقة أنّها كانت منسية، دخلت علينا الحضارات الغربية الوافدة عنوة ونهلنا منها وامتسخنا ولم تعد لنا هوية وأصبحنا كالإنسان الآلي من دون جذور. والآن نشهد أنّ العالم كلّه يعود إلى جذوره، يرجع إلى ثقافته، وعبد القادر علولة كان يشتغل بالنزول إلى عمق التراث ودراسة أصل شعبه وتراثه وابتدع مسرح الحلقة والقوالة، وكلّما تعمّقنا في الجذور تطفو ثمار النجاح إلى فوق.. ولكن نحن للأسف نعمل العكس، والواقع الحاصل أنّنا نسينا مشيتنا عندما تعلّمنا مشية الغير. وأعود لأعبّر عن أمنيتي بأن يكون المهرجان في الحقيقة متميّزا لأنّه بمثابة الخطوة الأولى لمسافة الألف ميل للرجوع إلى أصالتنا..إلى تراثنا.. إلى إرثنا الحضاري الجميل. - يرفع الملتقى العلمي إشكالية "واقع المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة"، ماذا يمكنكم قوله في الموضوع؟ * مازالت بعض الدول الإفريقية متمسكة بأصالتها، مازال عندها عشق وحب وإضافة رقصات في المسرح .. الشيء الذي نفتقده في الدول المغاربية والعالم العربي للأسف.. ومن الضروري الاهتمام بهذه الأشياء ..الحداثة مفيدة عندما نسخّرها للأشياء المهمّة التي تبرز أصالتنا، نأخذ منها ما نريد وليس ما يريده الغرب..يعني المسرح بمقاسنا نحن على ضوء ما يمكن أن نستهلكه من التقنيات الحديثة والمفيدة.. العالم قرية واحدة ولزوم عليك الاستفادة من تقنيات العمل ومفردات المسرح الليزرية للديكور، الإضاءة، المكمّلات، ومسهّلات العمل المسرحي.. كلّ هذا يجب الاهتمام به.. ومن جهة موازية وبنفس شدّة الاهتمام نوجّهه نحو أصالتنا بالعودة إلى إرثنا والاستقاء منه لإنتاج مسرح يشبهنا. - وفي رأيكم، ما هي الخطوة الثانية التي ترونها مناسبة بعد عودة المهرجان الإفريقي؟ * الخطوة الثانية هي الاستمرارية.. هي المبادرات الأخرى للدول الإفريقية الأخرى.. أن تكون مهرجانات أخرى للرقص والمسرح.. وقارتنا زاخرة بالألوان والأعمال الفنية.. وتنفّذ توصيات الملتقى ومقرّرات المهرجان الدولي.. وحتى على وسائل الثقافة والإعلام وأجهزة الدولة العمل لأخذ زمام المبادرة.. والعاتق يقع على الحكومات لأنّه لابدّ من جهد وأموال لتحقيق ذلك مع العلم أنّ أدوات التنفيذ موجودة، الكتّاب والروائيون موجودون في الساحة.. فقط الاهتمام بهم ودعمهم ضروري لأنّ العملية معنوية أكثر منها مادية وهو الأمر الحاصل في فرنسا مثلا.