من انقلاب الى آخر.. تبقى إفريقيا واحدة من أكثر القارات تعرضا لظاهرة الانقلابات العسكرية، التي تطيح دوريا بأنظمة منتخبة أو غير ذلك في مشاهد ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة، على وقع سلسلة مما أصبح يوصف ب"التغيرات غير الدستورية" التي عصفت بعدة دول إفريقية على غرار غينيا والسودان، مرورا بماليوبوركينافاسو وصولا إلى النجير والآن الغابون. جاء الإعلان هذه المرة عن انقلاب عسكري من الغابون الواقعة إلى أقصى غرب وسط إفريقيا، لتصبح بذلك سادس دولة بالمنطقة تتعرض للانقلاب في ظرف السنوات الثلاث الأخيرة بعد السودان وغينياوماليوبوركينافاسووالنيجر. وأعلنت مجموعة من العسكريين تضم أكثر من عشرة ضباط أمس، استيلاءها على السلطة ووضع الرئيس علي بونغو، قيد الإقامة الجبرية، قبل أن يعلنوا إحالته على التقاعد، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان لجنة الانتخابات فوز بانغو، بعهدة رئاسية جديدة وهو الذي استلم الحكم من والده منذ عام 2009. وقالت المجموعة "نحن قوات الدفاع والأمن المجتمعة ضمن لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات، قررنا باسم الشعب الغابوني الدفاع عن السلام… من خلال إنهاء النظام القائم". وأضافوا أنه "لهذه الغاية، ألغيت الانتخابات العامة التي جرت في 26 أوت 2023، فضلا عن نتائجها". وقرأ البيان ضابط برتبة عقيد، ووقفت خلفه مجموعة من الضباط من بينهم عناصر من الحرس الجمهوري المكلف بحماية الرئاسة، إضافة إلى عناصر من الجيش والشرطة ضمن مسعى لإعطاء صورة واضحة عن توافق المؤسسات الأمنية والعسكرية في هذا البلد حول عملية الانقلاب. وقال الانقلابيون عبر التلفزيون الحكومي، إن بونغو وضع قيد الإقامة الجبرية إلى جانب عائلته وطاقمه الطبي، في حين تم اعتقال أحد أبنائه نور الدين بونغو فلونتين، بتهمة "الخيانة العظمى". كما استهدفت الاعتقالات ستة مسؤولين كبار في نظام بونغو على غرار مدير مكتبه ومساعده ومستشارين في الرئاسة، إضافة إلى الرقم الأول والثاني في الحزب الديمقراطي الغابوني. وانتقد الضباط إدارة الرئيس بونغو، والأساليب "التي قد تدفع بالبلاد إلى الفوضى"، ورأوا أن تنظيم الانتخابات "لم يحترم شروط اقتراع يتمتع بالشفافية والمصداقية ويشمل الجميع كما كان يأمل الشعب الغابوني". وليس ذلك فقط فقد شملت المؤسسات التي أُعلن عن حلها الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات. وبينما أظهرت صور بثها التلفزيون الحكومي، أن مئات الجنود حملوا قائد الحرس الرئاسي الجنرال، بريس أوليغوي نغويما، منتصرا إلى جانب تداول صور لمتظاهرين في العاصمة ليبرفيل مؤيدين للانقلاب، ظهر الرئيس المخلوع في فيديو مسجل وهو يدعو "كل العالم والأصدقاء للتحرك" ضد من قاموا باعتقاله. ولأن هذا الانقلاب يعد ضربة أخرى لفرنسا التي لم تستفق بعد من تداعيات انقلاب النيجر، باعتبار أن الغابون من مستعمراتها السابقة كما يعد الرئيس بونغو، واحدا من أهم حلفائها في منطقة وسط إفريقيا، فقد سارعت لإدانة الانقلاب بشدة. وبينما دعت الصين بضمان أمن الرئيس علي بونغو، أعربت روسيا عن قلقها العميق في موقف عبّرت عنه أيضا مجموعة "الكومنويلث" التي التحقت بها الغابون العام الماضي. من جانبه أدان الاتحاد الإفريقي بشدة الانقلاب في الغابون، حيث استنكر رئيس المفوضية، موسى فقي محمد، ما وصفه ب"الانتهاك الصارخ لمبادئ المنظمة القارية، ودعا في بيان له "الجيش الوطني والقوات الأمنية إلى الالتزام بشكل صارم بمهامهم الجمهورية وضمان السلامة الجسدية لرئيس الجمهورية علي بونغو، وأعضاء حكومته وكذلك أفراد عائلته". سبعة انقلابات تعصف بإفريقيا في ثلاث سنوات وبالانقلاب على النظام في الغابون تكون القارة السمراء قد شهدت منذ عام 2020، سبعة انقلابات عسكرية آخرها انقلاب النيجر في ال26 جويلية الماضي، في حين عرفت بوركينافاسو انقلابين اثنين على السلطة في ظرف ثمانية أشهر فقط الأول وقع في ال24 جانفي 2022 والثاني في 30 سبتمبر من نفس العام.كما عاش السودان على وقع انقلاب على السلطة في 25 اكتوبر من عام 2021، عندما قرر قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، حينها حل السلطة الانتقالية المدنية التي جاءت بعد الاطاحة بنظام الرئيس حسن عمر البشير عام 2019. ولم تسلم غينيا من عواصف الانقلابات العسكرية، حيث أطاح العسكري بنظام الرئيس، ألفا كوندي، في الخامس ديسمبر 2021، في مشهد عاشته أيضا مالي التي شهدت بدورها انقلابين اثنين في ظرف تسعة أشهر الأول في 20 أوت 2021 والثاني في 24 ماي 2021.وربما باستثناء السودان، فإن العامل المشترك بين هذه الانقلابات أنها بيضاء لم ترق فيها قطرة دم واحدة يكون فيها الانقلاب على السلطة من قبل مجموعة من العسكر قد ينتمون الى المؤسسة العسكرية أو الحرس الرئاسي أو الجمهوري، سرعان ما يحظى هؤلاء بدعم السكان فيما يبدو أنها استفاقة أو انتفاضة أو حتى انعتاق من التبعية الفرنسية باعتبار أن غالبية هذه الدول هي مستعمرات سابقة لفرنسا.