بعد أن كان غلاء المهر سببا رئيسيا وراء عزوف الشباب عن إكمال نصف الدين، أتت قاعات الحفلات بأسعارها الملتهبة لتقضي على ما تبقى من أحلام هؤلاء في تكوين عش الزوجية والاستقرار بحياة هادئة. فمع حلول كل موسم صيف واقتراب موعد الأعراس تشهد قاعات الحفلات ارتفاعا مذهلا في أسعار كرائها، وهذا ما وقفنا عليه من خلال جولة قادتنا إلى بعض القاعات بشوارع العاصمة، حيث اكتشفنا أسعارا غير معقولة يفرضها ملاك القاعات لا تتناسب مع إمكانيات أغلب العائلات البسيطة، وتختلف أسعار كراء هذه القاعات باختلاف الخدمات التي توفرها بالإضافة إلى موقعها، فإن كانت متواجدة بإحدى الأحياء الراقية على غرار الأبيار وحيدرة، فهي لا تقل عن 5 ملايين سنتيم مع أدنى مستويات الخدمة، لتفوق في بعض الحالات 14 مليون سنتيم، ويتحكم في السعر عامل الزمن، فأعراس الخميس يُرفع سعرها عن باقي أيام الأسبوع، ويبقى ذلك حسب رغبة صاحب العرس وإمكانياته المادية. وعن سبب لجوء العائلات لإقامة أعراسها بقاعات الحفلات، اختلفت تبريرات الأشخاص الذين التقيناهم، حيث كانت لكلٍّ وجهة نظر خاصة، لكنها في النهاية تصب في ثلاثة اتجاهات رئيسية، فهناك من أرجعوا ذلك لكونهم يسكنون عمارة لا تتسع لكل المدعوين، والبعض الآخر ممن تتوفر لديه الإمكانيات المالية صار يعتبر هذه الاخيرة تقليدا لابد منه لإتمام مراسيم الزواج كنوع من المباهاة والافتخار. شريحة أخرى يرى أصحابها أن قاعات الحفلات تختصر الكثير من التعب والمشقة التي يقع فيها أصحاب العرس، كتوزيع المشروبات والحلويات على الحضور، والتي تصبح من مهام نادلي القاعات، مع توفير جو من الراحة للعائلة، حيث تعطيهم فرصة للاستمتاع بالمناسبة. ورغم الخدمات الجليلة التي تقدمها قاعات الحفلات إلا أنها وببساطة صارت تختزل العديد من العادات والتقاليد التي ظلت تميز أعراس المجتمع الجزائري على مدار السنوات الطويلة، وساهمت في اندثار العادات، حيث أفرغت العرس الجزائري من محتواه الثقافي وأصالته العريقة، فاستبدل"الآلي" و"المسامعية" ب"الديسك جوكي"، ومحرمة الفتول والبرنوس رمز نقاء وطهارة الفتاة العاصمية بفستان الزفاف الأبيض البعيد عن التقاليد، فأعراس زمان كانت أقل تكلفة وأكثر حلاوة من أعراس اليوم التي ساد فيها التبذير والتكلف وتضخيم المصاريف التي لا لزوم لها، ويبقى الهدف الأسمى من إقامة هذه الأعراس يتمثل في إحياء سنة مؤكدة نص عليها الدين الإسلامي الحنيف، والمتمثلة في إكمال نصف الدين، لكن الثمن أصبح مرتفعا جدا، وابتعد الزواج عن سنة الدين ليغرق في حسابات العادة والمظاهر.