احتضنت قاعة الموقار نهاية الأسبوع الماضي عرضا حكواتيا شارك فيه العديد من الحكائيين الجزائريين والأفارقة تحت إشر اف المبدع الجزائري سعيد رمضان. تركيبة الحكواتية بارعة نسج خيوطها الفنية المبدع الجزائري سعيد رمضان وجسد ألوانها كوكبة من الحكائيين الجزائريين والأفارقة، حيث ارتوى الحضور من التراث الشفهي الذي تزخر به القارة السمراء، المستقى من أحاديث الجدات والأساطير والحكايات التي نمت عليها مخيلتنا الطفولية، تلك الحكايات التي جعلتنا نميز بين الخير والشر ونلتمس ملامح الحب والكراهية وندرك معنى الجمال والقبح.. في ليالي الشتاء الطويلة حول مواقد دافئة. عرض الموقار جعلنا ندرك يقينا أننا لسنا بحاجة إلى قصص لافونتان ولا حتى لحكايات الإخوة قرم، ما تزخر به أفريقيا - أرض الأساطير والحكايات- يغنينا عن كل ذلك، "رحلة" سعيد رمضان التي أنتجها المسرح الوطني الجزائري في إطار مهرجان الجزائر الدولي للمسرح الذي ينظم تحت مظلة الطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الإفريقي، جعلتنا نصول ونجول ونرتفع وننخفض ونتنقل من تراث إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى لنكتشف عبر صوت حسان بلقرعة وعزيز دقة ومحي صديق مسلم وخيرة فاطمي من الجزائر وماندات دكبو من الطوغو، ابو فال ومام فال، بوبكر نادلي من السينغال، وتوماني كوياتي من بوركينا فاسو وموريس جوستاني، مدى تنوع وثراء ما نحظى به من ثقافة وما نتميز به من تراث لا بد أن نحافظ عليه وننقله إلى أطفالنا كما أخذناه نحن من أمهاتنا وجداتنا. من كان يا مكان في قديم الزمان.. إلى كان يا مكان الحبق والسيسان.. وحكايات القوال ولد محمد ولد الحاج علي ومن حكاية "بقرة اليتامى" إلى حكاية "الزهرة والسماء"، وصولا إلى قصة جحا والحمار.. حكايات مختلفة ومتنوعة تغترف من مجتمعات وثقافات وتقاليد وتركيبات سوسيولوجية مختلفة لكنها تفرز في مجملها عبق حكم وقيّم إنسانية سامية، وتقدم عصارة تجربة بشرية تصلح لتكون منارة يهتدى بها. وامتزج كل ذلك بموسيقى ورقصات هي جزء لا يتجزأ من تراث القارة السمراء، لترسم اللوحة الأخيرة التي جمعت كل الرواة والعازفين فسيفساء حقيقية عبرت بشكل صارخ عن تقارب وطبيعة وإنسانية إفريقيا. لكن ما يعاب على هذا العمل خاصة في جزئه الجزائري غياب الأسطورة الحقيقة، حيث اكتفت أغلب الأصوات الجزائرية المشاركة بتقديم النكتة المتداولة وليس على الحكاية الشعبية التي يزخر بها التراث الشعبي الجزائري وهذا أضعف المشاركة الجزائرية أمام شقيقاتها الإفريقية، كذلك غابت الحكاية الأمازيغية المعروفة عن حلقة الحكاية التي كان بإمكانها إبراز تنوع وثراء الثقافة والتراث الجزائري.