نظم مركز الفنون والثقافة بقصر "رياس البحر"، أول أمس، محاضرة ألقاها الأستاذ المحاضر بالمدرسة متعددة العلوم للهندسة المعمارية والعمران، خير الدين قروش، تحت عنوان "حماية التراث الثقافي من مخاطر الحرائق"، دعا من خلالها إلى حماية الممتلكات الثقافية والمواقع الأثرية، عن طريق تدابير خاصة، وعلى رأسها الوقاية والتحسيس. أشار الأستاذ قروش، الخبير والعضو في مخبر التراث، مهتم بالبحث والتطبيق، وبالمشهد الثقافي عموما، إلى أن حماية التراث من مخاطر الحرائق أولوية ملحة، داعيا إلى المزيد من الحماية والوقاية، وركز على مرحلة ما قبل الكارثة، لأنها الأهم في تفادي كل ذلك، أما التدخل المباشر أثناء الحريق والكوارث، فهو من اختصاص الحماية المدنية. المحاضر عضو في المجلس العالمي للمعالم والمواقع "ايكوموس"، وهي جمعية مهنية تعمل من أجل حفظ وحماية واستدامة أماكن التراث الثقافي في جميع أنحاء العالم، ومقرها باريس، حيث استعرض بعض تجاربها، مع إعطاء أمثلة مصورة لبعض الكوارث، التي مست مواقع عديدة عبر العالم، منها مثلا، موقع أثري بليبيا مصنف تراثا عالميا سنة 2016، تعرض لخطر فيضانات درنة في سبتمبر الماضي، وكذا قصر أثري بتركيا، كاد يهدم كليا بعد زلزال 2023، وكذا حريق بموقع بورصة كوبنهاغن الأثرية، التي كانت تحت الترميم (نفس ما حدث حين ترميم فيلا محي الدين بالجزائر)، واشتعال متحف البرازيل الوطني في 2019، المصنف عالميا، وكذا قصر شولي باليابان عام 2019، ومسرح البندقية في 2016 وغيرها. سرد الخبير حادثة شهدها، عند زيارته لباريس رفقة زوجته المهندسة، حين اشتعلت كاتدرائية باريس، وعند عودته للجزائر، تابع هذا الحدث عن بعد، ومما لاحظه قوة ردة الفعل التي تبعت الحادثة، وتجند المجتمع الفرنسي لإنقاذ هذا التراث المعماري، وكان الرهان مرفوعا من خلال هبة وطنية شاملة، مع استغلال الرئيس الفرنسي لهذا الأمر سياسيا، حين زيارته للموقع، ووعدِه بالترميم في آجال 2024، تزامنا والألعاب الأولمبية، لتستمر التبرعات والتعاون مع السلطات المحلية التي طالبت بالترميم، مع فتح نقاش اجتماعي حول الموضوع، وظهر تشكيك في الترميم، وهل سيكون كما الأصل، لكن الخبراء والحرفيين والفنانين بحثوا واجتهدوا ورفعوا التحدي وتفجرت المهارات. وأكد المتحدث، أن موضوع الحرائق نوقش في قلب جمعية "ايكوموس"، خاصة في التشريع وفي الترتيبات المتخذة، وكان هو منسق هذا الاجتماع الهام، خاصة مع المنظمة الدولية لحماية المشهد التراثي، والقرارات ستصدر في نوفمبر 2024. قال قروش، إن هذه الحرائق يمكن تفاديها بالوقاية، وهي من صميم تخصص الخبراء في هذا الميدان، ومن ذلك التحسيس والتوعية ومستوى التكوين، متوقفا عند بعض الأحكام المسبقة في الترميم، منها إبعاد الخشب باعتباره أداة خطر في المعلم، في حين أن المشكل أساسه الوقاية والمراقبة الدائمة، مستعرضا الاستراتيجية الخاصة بالحرائق، وهي تعزيز الوقاية لحماية الممتلكات الثقافية وأرواح العاملين والزوار، وتكون دائمة ومخططة من مختصين، مع توثيق المعلم من حيث المصادر والصور والرقمنة وغيرها. كما أوضح الخبير، أن بعض المعالم موجودة في المناطق الحضرية، ما يمثل خطرا عليها، ويستلزم تدابير محكمة تشمل كل جوار المعلم، مع وضع سيناريوهات التدخل (1 و2 و3)، كما في مخططات الزلازل، والتدخل يكون عبر مراحل، وكل مرحلة لها مختصوها. بالنسبة للجزائر، قال الخبير، إن الحرائق فيها مرتبطة بالمناطق الغابية وبأرقام مخيفة، علما أن الغطاء النباتي هو أيضا تراث طبيعي محمي، معطيا أرقاما عن حجم الخسائر، وأكد أن هذا الخطر يعود في كل موسم بشكل أكبر، نتيجة التغير المناخي، وسوف لن يرتبط بأشهر الصيف، بل قد يمتد للخريف والربيع، مضيفا أن الحرائق غالبا ما تكون قريبة من التجمعات السكنية، ومن المواقع، مستشهدا بعدة أمثلة، منها قرية جبلة التي رممت، ثم طالها الحريق في منطقة القبائل، كذلك قرية آيت القايد بتيزي وزو، التي أحرقت بها البيوت التقليدية (تراث). دعا المحاضر بالمناسبة، إلى إثراء ومراجعة قانون الغابات، وإشراك المجتمع المدني والسلطات المحلية، خاصة في عمليات التحسيس، كما ثمن بالمناسبة، بعض المبادرات وأفكار المواطنين، مثلما كان الحال مع شخص اتصل به من توجة من بجاية، صمد بيته الضخم في الحرائق بفعل ترتيباته، منها غرسه أشجار التين الشوكي المقاومة للنار، وكذا تقليبه للتربة وغيرها من التدابير المسبقة. للإشارة، شهدت المناقشة العديد من التدخلات، منها لإطارات قصر "رياس البحر" الخاصة بالحماية، علما أنه تمت إزالة السور العازل بين القصر والطريق العام، وأي سجارة، حسب هؤلاء، ترمى من السائقين أو المارة، قد تصيب الأبواب الخشبية، ما يمثل خطرا على المعلم وعلى وثائق الأرشيف المهول الذي به، في انتظار اتخاذ التدابير، منها إقامة خزان ماء للطوارئ. كما تدخل بعض الخبراء من تيزي وزو، الذين أعطوا تجاربهم، في حين كان المحاضر يعلق عليها وينصح بالتأكد من وسائل الحماية والإطفاء، مع الفطنة والمراقبة المستمرة، وتنصيب الأجهزة الخاصة، وكذا تأسفه لغياب مخططات تسيير في مواقعنا الأثرية، حتى المصنفة منها دوليا.