اختُتمت، مساء أول أمس الأحد بجامعة الشهيد الشيخ العربي التبسي، فعاليات الملتقى الوطني التاسع للفكر الإصلاحي بالجزائر، الذي بادرت بتنظيمه الجمعية الثقافية الشيخ العربي التبسي بالتنسيق مع مديرية المجاهدين لولاية تبسة، تزامنا مع الذكرى 67 لاستشهاد العلاّمة الشيخ العربي التبسي. تضمّن الملتقى عدة محاور رئيسة تتعلق بالحركة الإصلاحية في الجزائر إبان ثورة التحرير، والعربي التبسي كرجل موقف ورائد إصلاح، ومن عمالقة الجزائر، وأبرز رموزها التاريخية، مع قراءة تحليلية لبنيته وأسسه وواقعه وأبعاده وأهدافه، وابتكار الوسائل والأساليب وأدوات الحركة الإصلاحية. وشهدت هذه الفعالية طرح العديد من المداخلات والمحاضرات لباحثين وأساتذة من مختلف جامعات الوطن، مع حضور ملحوظ للمهتمين بالشؤون التاريخية للحركة الإصلاحية وأعلامها، علما أن عدد الأساتذة المشاركين قُدر بحوالي 60 أستاذا محاضرا قدّموا محاضرات، تدور في مجملها حول التعريف بحياة العلاّمة الشيخ العربي التبسي، الشهيد ذي القبر المجهول. وقال والي تبسة السيد خليل سعيد في كلمته: "يتوجب علينا اليوم التعريف برجال ورموز الدولة العظماء، الذين جاهدوا في سبيل حرية الوطن؛ لأنّ لهم دورا قويا في تاريخ الأمة، وفي تاريخ الجزائر" . كما رحب بضيوف تبسة من المشاركين في الملتقى، مشيدا بالحضور النوعي والجيد للأساتذة والمهتمين بتاريخ الحركة الوطنية، والتعرف برجالها. وبالمناسبة، أكد السيد شرفي محمد رئيس الجمعية الثقافية الشيخ العربي التبسي بولاية تبسة، ل "المساء" أن عودة الملتقى بعد غياب وبهذا الحضور المتميز، دليل على وعي المجتمع والجيل الحالي، وإرادته القوية في معرفة تاريخ وطنه، ومحاربة كل أشكال التخلف. ومن جهتهم، ثمّن أحفاد الشهيد الشيخ العربي التبسي مبادرة هذا الملتقى؛ لما لها من دور فعال في تذكير الأجيال ببطولات الشهيد. كما دعا المشاركون إلى العناية بالجانب الإعلامي قبل مواعيد النشاطات الثقافية والعلمية؛ بإرسال الإعلانات والدعوات إلى الجهات والمؤسسات المعنية. الشهيد العربي بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات التبسي، وُلد سنة 1895 بقرية سطح قنتيس جنوب غرب ولاية تبسة. من عائلة متواضعة تقتات من الفلاحة. وكان أبوه إلى جانب النشاط الفلاحي، يعلّم أبناءه وأبناء القرية القرآن. أرسله ابن باديس إلى غرب الجزائر، لكن أنصاره في تبسة ألحوا عليه بالعودة، وأسسوا مدرسة، وكان هو مديرها. وبعد وفاة ابن باديس ونفي الإبراهيمي اتجهت الأنظار إلى الشيخ العربي ليحمل المسؤولية، ويتابع الرسالة الإسلامية. وتوافد عليه طلاب العلم من كل مكان. وفي عام 1947 تولى العربي التبسي إدارة معهد ابن باديس بقسنطينة، فقام بالمهمة خير قيام. أما بالنسبة لوظيفة التعليم فقد قال أبو القاسم سعد الله، إنه مارسها متأثرا بالتجربة الرائدة التي قام بها السيد عباس بن حمانة 1913 بتبسة، أول مدرسة قرآنية عصرية. وبعد اشتغاله بالتعليم في تبسة تعرّض لعدة مضايقات من طرف الاستعمار، جعلته يغادر إلى غرب الجزائر، وبالضبط مدينة سيق سنة 1943. واعتقلته قوات الاحتلال في نفس السنة بتهمة التآمر على أمن فرنسا، وليتم إثر ذلك سجنه لمدة 06 أشهر، قضاها بين سجن لمبيز بباتنة وسجن قسنطينة. وقد كانت لدى الشيخ قناعة تامة بضرورة المواجهة المسلحة ضد العدو مهما طال الزمن. وبتاريخ 08 ماي 1945 قامت السلطات الاستعمارية باعتقاله مرة أخرى مع مجموعة من زعماء الجزائر في الحركة الإصلاحية والوطنية. وعند اندلاع ثورة التحرير الجزائرية المباركة في الفاتح من نوفمبر 1954، كان الشيخ العربي التبسي أحد أبرز العلماء الذين أيدوها وناصروها. كما شجع أبناء جمعية العلماء على الانضمام إلى صفوفها، وكان يقوم بدعمها ماديا ومعنويا من خلال خطبه التي أزعجت الاحتلال، فقررت فرنسا تصفيته. وفي الساعة الحادية عشر ليلا من شهر أفريل 1957، اقتحمت مجموعة من المظليين سكن الشيخ العربي التبسي بالعاصمة، واقتادته إلى مصير مجهول (يقال بأنهم وضعوا جسده في قدر بها زيت وزفت مغلى حتى ذاب لحمه وعظمه)، ومن يومها لم يُسمع عنه خبر معلوم، ليُعرف بذي القبر المجهول.