واصل جيش الاحتلال لليوم 326 على التوالي حربه الدامية على قطاع غزة والتي راح ضحيتها حتى الآن اكثر من 40 ألف شهيد وما لا يقل عن 93 ألف جريح غالبتهم أطفال ونساء، ناهيك عن حجم الدمار والخراب الذي لحق بالمباني والمنشآت والبنى التحية للقطاع وما يصاحبه من مآسي إنسانية وصحية وبيئة غير مسبوقة. لا يزال هذا العالم بكل مؤسساته الدولية والاقليمية، الحقوقية والإنسانية ودوله الديمقراطية والعظمى في موقع المتفرج على واحدة من أبشع المآسي الانسانية التي يشهدها العصر الحديث. وأقل ما قام به هذا العالم هو خروج بعض الأصوات من هنا وهناك لتطالب الاحتلال بالهدنة ووقف دماره الشامل لقطاع غزة ووضع حد لحرب الإبادة الجماعية التي يتفنن جيشه وقواته الفاقدة لكل انسانية في ارتكابها في حق الإنسان الفلسطيني. فيما لم ترافق هذه الدعوات الملحة والمتكررة لوقف إطلاق النار أي إجراءات ملموسة أو عقابية أو ضغط أو تدخل فعلي لوقف آلة الدمار الصهيونية التي عاثت فاسدا في الأرض الفلسطينية المحتلة. من بين الأصوات التي تجهر منذ مدة بضرورة وقف إطلاق النار، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، جوزيف بوريل، الذي راح أمس، يطالب بهدنة انسانية ولو لثلاثة أيام من أجل تطعيم أطفال غزة ضد الشلل الذي يهدد حياة المئات منهم، سرق الاحتلال براءتهم وحياتهم بأبشع وأفضع الجرائم والانتهاكات. وحذر بوريل في منشور على منصة "اكس" من أن الانتشار السريع لمرض شلل الأطفال يهدّد أطفال غزة الذين أضعفهم النزوح والحرمان وسوء التغذية، "وبالتالي فإن وقف إطلاق النار الإنساني ضروري لضمان قيام منظمة الصحة العالمية واليونيسف بعمليات التطعيم في القطاع". نفس المطلب رفعه مدير عام الرعاية الصحية الأولية في قطاع غزة، موسى عابد، الذي طالب بضرورة وقف إطلاق النار وتطبيق هدنة إنسانية في قطاع غزة لتنفيذ حملة التطعيم ضد مرض شلل لأكثر من 640 ألف طفل في القطاع. لكن المسؤول الأوروبي ومعه كل المسؤولون الأوروبيون والأمميين يدركون جيدا أن دعواتهم للهدنة لن تجد آذانا صاغية لدى احتلال مجرم لا يفهم إلا لغة الرصاص والدماء. رغم ذلك، تبقى مثل هذه الدعوات ضرورية، علها تشكل ضغطا متزايدا على هذا الاحتلال الذي قام بحصر الفلسطينيين في مساحة ضئيلة للغاية، بما يفاقم الوضع الكارثي في القطاع. وهو ما حذر منه مسؤولان أمميان من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" خلال الإفادة التي قدماها للصحفيين في مقر الأممالمتحدة بنيويورك. وأوضحت كل من المتحدثة باسم الأونروا في غزة، لويز ووتريدج، ونائب المدير الميداني الأول للأونروا، سام روز، عبر تقنية الفيديو من دير البلح وسط غزة، أن "مئات الآلاف من الفلسطينيون من أسر وأطفال وأمهات، مجبرون على النزوح يوميا وهم يجرون أمتعتهم ولا يعرفون إلى أين يذهبون". وبينما أشارت ووتريدج إلى أنه في المنطقة الإنسانية المزعومة التي أعلنها جيش الاحتلال الصهيوني في خانيونس والمواصي "يمكن بالكاد رؤية الرمال على الأرض بسبب اكتظاظ المنطقة"، قال نائب المدير الميداني الأول للأونروا أن سلسة أوامر الإخلاء الأخيرة التي أعلنها الاحتلال الصهيوني قلصت المنطقة الإنسانية المزعومة إلى 11 في المائة فقط من قطاع غزة بأكمله. ولفت إلى أن تلك المناطق الإنسانية عبارة عن "كثبان رملية يتكدس الناس فيها ويفعلون كل ما في وسعهم للعيش أمام الخيارات المستحيلة التي يواجهونها.. فهم لا يعرفون ماذا يفعلون وما إذا كان يجب عليهم البقاء أم الرحيل". ويبدو أنه ليس فقط الفلسطينيين الذين لا يعرفون ماذا يفعلون، فالأممالمتحدة كمنظمة دولية مسؤولة عن حفظ السلم والامن العالميين اصطدمت هي الاخرى بجدار الصد الصهيوني وآلة نيرانه القاتلة وهي التي لم يسلم لا مسؤولها ولا موظفوها ولا مبانيها ومقارها في قطاع غزة من العدوان الصهيوني الماضي في سفك الدم الفلسطيني في وضح النهار. وهو ما تسبب في تعطيل مهامها الانسانية، حيث تواصل معظم وكالتها المشرفة على برنامج الغذاء العالمي تحذيراتها من أن استمرار العدوان على القطاع والعدد المحدود من المعابر الحدودية والطرق المتضررة، كلها تعيق بشدة عمليات البرنامج وباقي المهام الانسانية المحفوفة بالمخاطر.