تشهد موريتانيا منذ 2010 انفجارا روائيا جديرا بالاهتمام، حيث برزت أسماء روائية كثيرة تصدّرت الساحة العربية وحقّقت الريادة الروائية وحازت الجوائز المرموقة، وانتقلت موريتانيا من بلد المليون شاعر إلى شعراء ومبدعين يراهنون على تنويع المشهد الثقافي متجاوزين عقدة الهوية. "أصوات من موريتانيا" هو عنوان الندوة التي استضافها "فضاء" افريقيا"، أوّل أمس، ضمن البرنامج الثقافي والفكري المرافق لصالون الجزائر الدولي للكتاب، بمشاركة مبدعين في مجالات الأدب، قدّما مقتطفات من المنجز الأدبي الموريتاني، الشعري منه والروائي، بإدارة الدكتورة الجزائرية آمنة بلعلى. الندوة شكّلت فرصة للاقتراب من التجارب الموريتانية التي لفتت إليها الأنظار من خلال افتكاكها لجوائز أدبية مرموقة وجادة، حيث أشار الأديب محمد فاضل عبد اللطيف إلى أنّ المبدعين الموريتانيين راهنوا في العقود الأخيرة على أنساق إبداعية أخرى غير الشعر من بينها الرواية، عائدا إلى البدايات التي كانت بتوقيع عائشة زين العابدين وروايتها "الفتاة المعذبة"، وقال "ليس من المشترط أن يكون العمل كاملا، لكن لابدّ من الاعتراف بالريادة" إذ اتّهم النقد العربي بالتمييز حيث قفز على التاريخ. وأوضح عبد اللطيف أنّ روّاد الرواية الموريتانية كانوا شعراء راهنوا على تنويع المشهد الثقافي، ليس مللا من الهوية الشعرية، ولكن هذا التنويع جاء نتيجة لمشكل الهوية، الذي يغور عميقا في الوجدان الموريتاني، ما جعل هذا المشكل يشغل جزءا كبيرا من التجربة، قبل أن يحدث "الانفجار الروائي". وفي حديثه عن تجربته الإبداعية، أثار المتدخّل مسألة الارتباط بالوطن، فرغم أنّ من مواليد السعودية ويعيش في دبي، لكن وطنه يسكنه، وقال "إشكالية الهوية هي أحد الإشكالات الوجودية، التزم الموريتانيون بمعالجتها روائيا، وهناك أعمال بارزة أرّخت لهذه المسألة ك"مدينة الرياح" لموسى ولد ابنو". مؤكّدا أنّ الرواية الموريتانية تجاوزت عقدة الهوية، فهناك أصوات تتحدّث عن مشاكل التعايش ومشاكل الشخصية الثقافية وتوسّع هامش النقاش، كما فتحت الباب للحوار بين مختلف الموروثات في المجتمع وهناك جهد متواصل في هذا الشأن. عميد الشعراء الموريتانيين الدوه ولد بنيوك كان ثاني المتدخلين، حيث تناول التجربة الشعرية الموريتانية بشقيها الفصيح والحساني، مؤكّدا أنّ الشعر الحساني "إكسير حياة الإنسان البيضاني"، حيث يُقال فيه الشعر منذ ولادته إلى غاية وفاته، وقدّم أمثلة عن الشعر الموريتاني المتميّز بالقاموسية ويعدّ الوحيد الذي لم يمسسه الانحطاط، من بينها أبيات من قصيدته "دموع الماس" التي تعبّر عما نحن عليه الآن من انكسار وخيبات أمل وخذلان. محافظة على روح القصيدة العربية بمعجمها وبلاغتها الرائعة الممارسة لنوع من الممانعة الحداثية. كما توقّف المتدخّل عند الشعر الحساني الذي اعتبره مدوّنة للأخلاق وسجلا للوقائع السياسية والملاحم البطولية، وهو مبني على منهجية الشعر الفصيح شكلًا ومضمونًا، كما يعالج نفس أغراضه، غير أنّ له مصطلحات وقواعد وقوافي يصاغ فيها، وله ميزات بمنزلة عروض الشعر العربي الفصيح. وهو أيضا ذاكرة الشعب الموريتاني ومستودع موروثه الحضاري بكلّ ألوانه وأبعاده.