مجلس الأمن : الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    وزارة الصحة الفلسطينية: 741 شهيدا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    العدوان الصهيوني على لبنان: الاستجابة الإنسانية في لبنان تحتاج لجهود "جبارة"    الكيان الصهيوني يواصل قصفه على لبنان    الأمم المتحدة: نعمل "بشكل ثابت" لتهدئة الأوضاع الراهنة في لبنان وفلسطين    مولوجي تبرز الانجازات المحققة في مجال الصناعة السينماتوغرافية    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    طبّي يؤكّد أهمية التكوين    الجزائر حاضرة في مؤتمر عمان    بوغالي يشارك في تنصيب رئيسة المكسيك    استئناف نشاط محطة الحامة    السيد بلمهدي يبرز بتيميمون امتداد الإشعاع العلمي لعلماء الجزائر في العمق الإفريقي والعالم    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    مجلس الأمن: الجزائر تعرب عن "قلقها العميق" إزاء التدمير المتعمد لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    إيطاليا: اختتام أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يلتقي بنظيره الليبي    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة حول المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    هل الشعر ديوان العرب..؟!    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء ونقّاد يرافعون لصالح الشعر الحسّاني
نشر في الشعب يوم 20 - 03 - 2023


«الحسانية».. ثقافة مشتركة بين دول المنطقة
أدباء يرفضون محاولة السطو على ثقافة البيظان
شكّل الشعر ودوره في الحفاظ على القيم الانسانية والوطنية، محور ندوة دولية احتضنتها دار الثقافة عبد الحميد مهري، بمشاركة أدباء ونقاد من الجزائر، الصحراء الغربية والجمهورية الاسلامية الموريتانية.. الندوة الدولية التي نُظمت على هامش موسم سلاّم للثقافة والتراث، تعدُّ محطة أخرى من محطات المشهد الثقافي بولاية تندوف، وتأتي تخليداً لذكرى "عيد النصر" من خلال مواصلة التأكيد على تعزيز القيم الوطنية والانسانية وبثّهما في نفوس الأجيال القادمة.
سعى القائمون على التظاهرة إلى إبراز دور الشعر الحسّاني كأنموذج في الحفاظ على القيم الانسانية والوطنية، نظراً للمكانة والحظوة الكبيرة التي يتمتع بها هذا الشعر الذي يحوي كل معارف ثقافة البيظان، فالقيم الانسانية في الموروث الشعبي لمجتمع البيظان، حسب الشاعر لوبيز عبد الله، تعكس مدى تطور هذا المجتمع وتأثره بتراثه المتراكم عبر الزمان والمكان، مشكّلةً بذلك مجموعة من النظم والأخلاق تفرض احترامها والامتثال بها، وتضع الشعر الحسّاني كأنسب الوسائط الادبية الصالحة لنقل وإشاعة تلك القيم.
ويرى الأديب الموريتاني، محمد الهادي أحمد زيدان، الامين العام للرابطة الدولية للأدباء الحسانيين أن "خارطة الأوطان تتشكل بالأدب وأن الحضارة ميراث متراكم"، ففي حديثه عن دور الشعر في الحفاظ على القيم الانسانية والوطنية، يشير محمد الهادي إلى أن الشعر الحسّاني يشترك مع نظيره الفصيح في كثير من الخصائص، ويتميز عنه في بعض الأغراض والأساليب والبحور، فإلى جانب الأبعاد الجمالية التي يمتاز بها الشعر الحسّاني، هو غنيٌ بالقيم الأدبية، ومتنوع بتنوع المواضيع التي يتناولها الشعراء، "فهو ذاكرة حيّة لتاريخ البيظان ومستودع لموروثهم الحضاري وسجلٌ ذهبي لسياساتهم وملاحمهم البطولية وهو ديوان لأخلاقهم وقيمهم السامية".
وأشار الاديب الموريتاني إلى ان الذاكرة الجماعية لمجتمع البيظان باتت تهتم اليوم بهذا الموروث الثقافي في الواقع وعبر منصات التواصل الاجتماعي التي ساهمت هي الأخرى في خلق جيل شغوف بالأدب الحساني، فمجتمع البيظان – حسب المتحدث - يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعاداته، ثقافته وفنونه الجميلة، ويحتل الشعر بشقيه الفصيح والشعبي مكانة عظيمة في نفس الانسان البيظاني، مشيرا إلى أن موضوع الثقافة الحسّانية تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسات الأكاديمية المعمّقة، مشدداً على ضرورة إيجاد آلية يتم الاتفاق من خلالها على كتابة الشعر الحسّاني ونقده نقداً علمياً يؤسس لنهضة حقيقية.
وتناولت الدكتورة مباركة بلحسن من جامعة وهران، الموروث الثقافي الشفوي الحساني من خلال المقاربة الانثربولوجية، مشيرةً إلى أن الثقافة الحسانية أنتجت موروثاً شفوياً مقاوماً للحركات الاستعمارية التي مرّتَ به ومقاوماً لعوامل الطبيعة الصحراوية القاسية.
واسترسلت مباركة بلحسن في الحديث عن "الدراعة" و«الملحفة" كلباس لمجتمع البيظان، مشيرة إلى أن اللباس التقليدي الخاص بالبيظان ليس مناسباتياً عكس الثقافات الأخرى، خاصة الملحفة، الزّي الخاص بالمرأة الذي يرافقها في حياتها اليومية كوسيلة للاحتشام والزينة والوقاية من حرارة الشمس.
ودعت بلحسن إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات حول الثقافة الحسّانية وإدخال ثقافة البيظان في المقررات البيداغوجية للمركز الجامعي تندوف، وتسجيله كتراث لامادي في منظمة اليونيسكو، "فالثقافة الحسّانية تمتلك شيفرات قوّية مصدرها الممارسات الشعرية اليومية للبيظان، فلجأ إلى الشعر للتعبير عن كل مشاعره وأحاسيسه".
وعرّجت المتحدثة لإبراز مكانة المرأة في مجتمع البيظان، مشيرةً إلى أن الثقافة الحسانية منحت للمرأة مكانةً خاصة، واعتبرتها نصف الكون، ولم تعمل على كبت مشاعرها وأحاسيسها، بل خصّصت لها لوناً شعرياً خاصاً بها يسمى "التبراع" للتعبير عن شعورها بلا خجل، ناهيك على أن المجتمع الحساني يحتوي المرأة المطلقة ليس تحريضاً على الطلاق –تقول مباركة - وإنما هو من باب احتوائها وفتح آفاق أخرى لها، عكس بعض المجتمعات التي تنبذ المرأة المطلقة وتنظر إليها نظرة دونية.
عصر الشعر لم ينته..
انتقد الدكتور والناقد الأدبي عبد القادر رابحي من جامعة سعيدة، ما يتداوله الأكاديميون والمهتمون بالثقافات الشعبية الذين يؤكدون بأن عصر الشعر قد انتهى وانقضى معه زمن السماع، وبأننا في عصر الرواية والتخييل السردي، مشيراً إلى أن مجتمع البيظان بما فيه المجتمع المحلي بولاية تندوف، قد كسر هذه القاعدة مهنياً ودحض هذه النظرية وجعل منها "نظرية خاطئة من الأساس"، مؤكداً بأن عصر الشعر لم ينته، بدليل أن هناك في مجتمع البيظان من لا يزال يُلقي شعراً ويَلقى تفاعلاً من الجمهور بكل عمق وإحساس.
وأشاد عبد القادر رابحي بدور الشعر الحسّاني في نقل القيم الانسانية والوطنية النبيلة، وهي ميزة تجعل منه إضافة أخرى، وشعرا آخر له خصوصياته اللغوية، ووزناً وتخييلاً خاصين به، رافضاً وضعه في تصنيف أدنى وترتيب أقل من الشعر الفصيح بل هو "الشعر الآخر" على حد تعبيره.
لا عربدة في الثقافة
أجمع المتدخلون في أشغال الندوة الدولية حول الشعر الحسّاني عن رفضهم لأي شكل من أشكال البلطجة الثقافية التي يمارسها المخزن المغربي في حق شعوب المنطقة وثقافاتها، مؤكدين على أن المستوى الذي وصل إليه المغرب من سطو على ثقافات مشتركة بين دول المنطقة، يدخل في خانة "العربدة" التي يحاول المخزن من خلالها تبني ثقافة يعلم الكل بأنها عنصر مشترك بين الشعوب.
في هذا السياق، أوضح محمد الهادي أحمد زين، الامين العام للرابطة الدولية للأدباء الحسانيين، أن ثقافة البيظان لا يمكن لها أن تُختزل في جهة معينة؛ لأنها امتداد جغرافي كبير يشمل موريتانيا، تندوف، إقليم أزواد، شمال مالي وشمال النيجر.
وقال الأديب الموريتاني متحدثاً ل«الشعب" أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزال هذه الثقافة أو أن يتم تبنيها من طرف مكون معين في زاوية معينة، في إشارة لمحاولات المخزن السطو على ثقافة البيظان بعدما سطا على الخيمة وسجلها كتراث مغربي.
وأشار محمد الهادي إلى أن مجتمع البيظان على اختلاف رؤاه، هو شعب واحد، امتداد واحد، هوية واحدة، تراث واحد، وتاريخ واحد مشترك، ولا يمكن اجتزاء هذه الثقافة من أي كيان، مؤكداً بأن الاتحاد العالمي للأدباء الحسّانيين قد وضع مجموعة من الاستراتيجيات المستقبلية المتوسطة المدى، وهو يمتلك رؤية واضحة يسعى إلى تجسيدها على أرض الواقع، مشيراً - في الوقت ذاته - إلى سعي الاتحاد إلى بذل المزيد من الجهد من أجل تسجيل الثقافة الحسّانية ضمن قائمة التراث العالمي كثقافة مشتركة بين مجتمع البيظان على اختلاف حدودهم وانتماءاتهم السياسية فهي تستحق ذلك وتستحق أن ترقى إلى أبعد المستويات نظراً لغناها وثرائها الثقافي المادي واللامادي
من جهتها، ذهبت الدكتورة مباركة بلحسن إلى أبعد من ذلك، مشيرةً إلى وجود "استراتيجيات واضحة للسطو على التراث الحساني" في غياب شبه تام من أهلها ومثقفيها، مؤكدةً بأن "سطو المخزن على هذه الثقافة هو مسطّر له سياسياً وثقافياً"، معربةً عن أسفها لما حدث من السطو على كثير من العناصر المكونة للثقافة الحسّانية وتسجيلها على أساس أنها ثقافة وطنية مغربية.
أشارت المتحدثة إلى وجود تقصير كبير من البيظان أنفسهم سهّل من مهمة المخازنية في السطو على الثقافة الحسّانية، مشيرةً كذلك إلى وجود الكثير من العناصر المكوّنة للثقافة الحسّانية التي لم تصلها يد البلطجة الثقافية بمقدور حكومات الجزائر، موريتانيا والصحراء الغربية تسجيلها كتراث مشترك بين هذه الدول، قائلةً بأن "التراث الحسّاني يمتلك شيفرات قوية وموروث ثقافي ثري جداً خاصة الشعر الحسّاني الذي يعدُّ عنصراً مهماً لدى منظمة اليونيسكو".
وأشارت بلحسن إلى أن الجزائر قادرة على إنشاء صرح أكاديمي متخصص في الثقافات الصحراوية، يخصص جانب منه للثقافة الحسّانية بالاستعانة بأكاديميين من داخل الوطن وخارجه، داعيةً إلى الشروع في التفكير بجديّة في استحداث مخبر للثقافة الحسّانية بالمركز الجامعي علي كافي بتندوف باعتبار الولاية عاصمة للثقافة الحسّانية بالجزائر.
وقالت المتحدثة إن ثقافة البيظان كانت مجهولة لدى سكان ولايات الشمال، واللوم الأكبر يقع على مثقفي ولاية تندوف الذين لم يقدّموا ثقافتهم الحسّانية بطريقة مؤسسة، مشيرةً إلى بداية ظهور فئة من المجتمع ومجموعة من الأكاديميين الذين استحسنوا الثقافة الحسّانية وأعجبوا بها بشكل كبير وأصبحت تخرج للنور تدريجياً، وهو أمر اعتبرته إيجابيا وخطوة أولى من أجل عودة الثقافة الحسّانية إلى مكانتها الحقيقية كثقافة وطنية جزائرية.
وأشار الشاعر مباركي سعدي بيه إلى أن مجتمع البيظان شهد في الفترة الاخيرة "حِراكاً ثقافياً" من أجل تسجيل بعض عناصر الثقافة الحسّانية ضمن قائمة التراث العالمي بطريقة "فيها نوع من التحيّز"، وأن هناك عدة نماذج من التراث المادي واللامادي الذي تتقاسمه الجزائر مع دول شمال افريقيا، حاولت بعض الأطراف أن تسجله بشكل حصري لدولة على حساب الآخرين.
ودعا سعدي بيه إلى ضرورة تظافر جهود جميع الغيورين في مجتمع البيظان بالتعاون مع حكومات بلدانهم، من أجل الحفاظ على الثقافة الحسّانية باعتبارها جزءًا من هويتنا المشتركة قبل أن يسطو عليها الغير، ويحاول أن يبرز بها، مشيراً إلى أن الرسالة واضحة فقضية الراي الجزائري، طبق الكسكسي، الخيمة التقليدية، الحايك والشدّة كلها مؤشرات تدل على تعرض ثقافتنا وهويتنا الوطنية الغنية "لحملة شعواء"، وإذا لم نقف ضد هذا التوجه فسيتم "قرصنة وسلب" كل موروثنا الثقافي وتسجيله كتراث عالمي لدول الجوار.
الشعراء الثوّار والثوّار الشعراء
يعتبر الشعر الحسّاني مشابها لدرجة التطابق مع الشعر العربي الفصيح من حيث تعدد الاغراض والتعابير وعمق المعاني ومخاطبة الوجدان الانساني بكل ما يخدم المجتمع ومصالحه، فالشاعر الحسّاني عرف كيف يوظف شعره في المحافظة على القيم والحكم والامثال الشعبية وشيم البطولة وأسس التربية الخُلقية الحسنة.
اعتمد مجتمع البيظان على تسجيل الأحداث ونقل الوقائع عن طريق الشعر الحسّاني، حيث لعب هذا الأخير دوراً كبيراً في تدوين التاريخ وبلورة القيم واهتمامات المجتمع، فكان لسان حال المجتمع، وشكّل بذلك وسيلة الاتصال الرئيسية والاكثر تداولاً بين المجتمع الحساني.
حافظ الشعر الحسّاني على مكانته ومكوناته أمام المحاولات الاستعمارية فكان حاضراً إبان الثورة التحريرية بولاية تندوف، حيث كان له دور هام في تعبئة المجاهدين وشحذ الهمم لمواجهة الاستعمار وفضح دسائسهم وأساليبهم الهدامة، كما واكب الشعر الحسّاني مختلف مراحل النضال والكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وشكّل - في نفس الوقت - الإطار الأمين للمحافظة على التراث والقيم والأخلاق وبالتالي ساهم في عملية التواصل بين الماضي والحاضر.
وأكد الإعلامي والكاتب محمد رحّال أن الشعر الحسّاني كان له دور كبير في الثورة الجزائرية بولاية تندوف، فقد كان يبثُّ الحماس في النفوس ويشجّع الناس على القتال والدفاع عن الأرض، فكان يقوم بدورين أساسيين، التشجيع على القتال ومكافحة الاستعمار وعدم الرضا بالهوان والخضوع للمستعمر من جهة، ومن جهة أخرى الدعوة إلى المحافظة على العقيدة الاسلامية وعلى اللغة العربية التي كان المستعمر الفرنسي يحاول طمسهما حتى لا يجد الجزائري أمامه سوى الثقافة الفرنسية فيتبناها، فكانت من مهام الشعر الحسّاني المحافظة على القيم النبيلة في المجتمع، فكان كثير من الأطفال يتشبّعون بالقيم الوطنية وحب الوطن عن طريق الشعر الحسّاني، كما كانوا يتعلمون الصلاة وأحكام الصيام وقواعد النحو والصرف عن طريق قصائد حسّانية تتناقلها الأجيال شفاهةً، مستشهداً بقصيدة حسّانية تمجّد الاستقلال الجزائري.
من حقك يا الشعب الثاير
لحتفال وعذرك ينگال
الأرض في أرض الجزائر
واليوم فيوم الاستقلال
الخامس في الشهر السابع
لستقلال صباحو طالع
اعلى الشعب البيدو گالع
حريتو بانواع النضال
والقتال ولاهو قانع
باستقلال بدون القتال
ومن حقك يا الشعب الثاير
لحتفال وعذرك ينگال
الأرض في أرض الجزائر
واليوم فيوم الاستقلال
الجزائر مُنتشاها
بالتجَبُر ما ينجاها
فاتت مولانا واساها
ما تفرغ منبع للرجال
وللابطال الا راعاها
منبع للرجال ولبطال
من حقك يا الشعب الثاير
لحتفال وعذرك ينگال
الأرض في أرض الجزائر
واليوم فيوم الاستقلال.
وأوضح محمد رحّال، مؤلف أول كتاب حول الشعر الحسّاني في الجزائر، إن الشعر أكثر تقبلاً للتلقي في النفس من الكلام المنثور، وأكثر رسوخاً في أذهان الناس، وهو ما جعل منه عامل قوة في مجتمع البيظان وأداة لترسيخ القيم الانسانية والوطنية، فكان الشعراء الحسّانيون بتندوف ينظرون للفرنسيين إلى جانب كونهم محتلين وغزاة أعداءً للإسلام، فكانوا يحثون على الثورة ضدهم كما يحثون على التمسك بتعاليم الدين الاسلامي.
ودعا محمد رحّال إلى ضرورة العمل على تدوين الثقافة الحسّانية واتخاذ كل التدابير للحيلولة دون اندثارها، مشيراً إلى أن الثقافة الحسّانية تراث لامادي، ومن أجل المحافظة عليها يجب أن تتحول إلى تراث مادي من خلال التدوين والمؤلفات والملتقيات التي تحفظها من الاندثار.
وأكد المتحدث إلى أن الثقافة الحسّانية مشتركة بين عدة دول، ولا يمكن أن نلقي مسؤولية الحفاظ عليها على دولة معينة مخافة أن تنتمي لها في الأخير، مشيراً إلى سعي الطبقة المثقفة بولاية تندوف والمهتمين بالثقافة الحسّانية إلى تدوين النصوص الشفهية ومختلف العناصر اللامادية الأخرى من أجل تعزيز مكانة الثقافة الحسّانية كرافد من روافد الثقافة الوطنية الجزائرية.
الندوة الدولية حول الشعر الحسّاني شكّلت فرصة لوضع خارطة طريق لعمل تشاركي مستقبلي بين الأدباء البيظان، خارطة طريق، تعترضها كثير من المعوقات الموضوعية التي تقوّض هذه الجهود، بالإضافة إلى وجود نوايا مع سبق الاصرار والترصد لتسجيل هذه الثقافة ومختلف عناصرها كثقافة مغربية محض، وهو ما جعل الأدباء الحسّانيين يدّقون ناقوس الخطر ويستنجدون بحكومات بلدانهم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عناصر ثقافية حسانية وحمايتها من البلطجة الثقافية التي يمارسها المخزن.
ودعا المشاركون في أشغال الندوة الدولية للشعر الحسّاني إلى التفكير في فتح مخبر في المركز الجامعي علي كافي بتندوف يعنى بالثقافة الحسّانية، وتشجيع كل المؤلفين في المنطقة من أجل تدوين أعمالهم، كما دعوا إلى فتح برامج تلفزيونية خاصة بالثقافة الحسانية في القنوات التلفزيونية الجزائرية من أجل المساهمة في التعريف بالتنوّع الثقافي الذي تزخر به بلادنا، وتعزيز المكتبات المحلية بالولاية بكل المؤلفات المستجدة في الثقافة الحسّانية من أجل توفيرها للطلبة والباحثين بالولاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.