زار الكاتب الإعلامي المعروف مصطفى بن دهينة، مؤخرا، "المساء" للحديث عن بعض أعماله ومشاريعه التي يتمنى أن ترى النور. كما يظلّ وفيا لأبحاثه وإبداعاته التي كلَّلت مساره. قدّم الأستاذ بن دهينة القصة التي فاز بها في مسابقة 1 نوفمبر 1954 التي نظّمتها مؤسسة "فنون وثقافة" لسنة 2024، وكانت بعنوان "قابلة من زمن الكفاح" (المرتبة الثانية). وهي بالعربية الفصحى. وتروي واقعة حقيقية لسيدة قابلة من الجنوب الجزائري، وبالضبط من منطقة بشار. القابلة هي السيدة فاطنة بنت جلول المعروفة ب"مّا جلولة"؛ تعرفها كل نساء المنطقة؛ فهي التي تشرف على توليدهن. وذات مرة في زمن الثورة التحريرية (1958) جاء إحداهن المخاض، فتم إدخالها مستشفى عسكريا فرنسيا. لكن هذه السيدة التي كانت تشرف على وضع مولودها، طلبت هذه القابلة بالاسم ورفضت الخضوع للتوليد من غيرها. وهنا تم استدعاء "مّا جلولة" لتأتي وتخفف عن هذه الحامل، ليخاطب الطبيب الفرنسي موريس المختص في طب النساء، القابلةَ قائلا: "هذه السيدة لن تلد الآن مازال أمامها 15 يوما لتلد. ويمكنك المغادرة". إلا أن القابلة تحدته ورفضت المغادرة، وردت: " دقائق قليلة وتلد هذه المرأة بتوأم ذكر". لكن الطبيب ظل مصرّاً على رأيه، وبقي يتحدث مع زوجته الطبيبة عن الأمر، لتنجح القابلة في الأخير، وتلد الأم مولودها بعد 20 دقيقة فقط. والطبيب لايزال مكابرا ويقول: "ها طفل واحد فقط" ، لينزل المولود الثاني. وهنا ينبهر الطبيب وطاقمه، ويضرب تحية عسكرية لهذه القابلة البدوية التي تفوقت عليه، والتي تكسب مهارات ومعارف شعبية، فقدّم لها شهادة رسمية للعمل في أي مكان كان مقابل أجر مالي، لكنها رفضت بلباقة وذكاء وانصرفت. والحقيقة، حسب الكاتب، هي أنّ هذه القابلة كانت منخرطة في العمل الثوري (مسبلة)، وتخاف أن يُكشف أمرها، وأمر المجاهدين معها. وظل هذا الطبيب النقيب موريس معترفا بما لهذه القابلة من إمكانيات، ليتواصل مع كلية سانسار الحربية بفرنسا، ويخبرهم بما كان، وأن قابلة بسيطة أعطت الأطباء الفرنسيين درسا في تخصص أمراض النساء والتوليد. وذكر المتحدث أنه عندما استشهد البطل العقيد لطفي رحمه الله في 27 مارس 1960 ودُفن في مقبرة بشار، طلبت جبهة وجيش التحرير من "مّا جلولة" أن تزور قبره سرا، وتترحم على روحه، وتقرأ له سورة الفاتحة. وبالمناسبة، أخرج الأستاذ بن دهينة من محفظته صورة بالأبيض والأسود توثق هذه اللحظة، وتبرز هذه المجاهدة وهي تترحم على البطل أمام قبره في غفلة عن عين المستعمر. وقد عاشت هذه السيدة بعد الاستقلال. ثم توفيت في سن التسعين رحمها الله. وقال بن دهينة إنّ هذه القابلة كانت من عائلة ثورية مجاهدة معروفة. وكان زوجها منصور بن الشيخ من مؤسسي حركة انتصار الحريات الديموقراطية بمنطقة تندوف سنة 1948. وقد نفته فرنسا مع 3 من إخوته ينشطون معه. كما كان زوجها الوطني يمارس تجارة المقايضة بين منطقة تندوف وحواضر موريتانيا وصولا إلى مالي، لينضم، بعدها، لجبهة التحرير الوطني. أما أخو "مّا جلولة" عبد القادر الأدراري فهو بطل شهيد، سقط في معركة العرق الغربي بمنطقة القورارة بتيميمون سنة 1957. وهي أشهر معركة رمال في العالم. وأما ابنها "محفوظ بن دهينة" (أُطلق اسمه على المسرح الجهوي ببشار)، فكان مجاهدا وسياسيا ومثقفا، شارك في اشتباكات أثناء الثورة. وعن أعماله الأخرى، تحدّث الأستاذ مصطفى بن دهينة عن شريط وثائقي أنجزه عن الإمام المغيلي بطلب من مؤسسة التلفزيون الجزائري، علما أنه، اليوم، في تقاعد. وبرمج شريطه عن المغيلي في 14 دقيقة، في افتتاح المؤتمر الدولي عن هذه الشخصية التاريخية التي احتضنتها الجزائر. وقد تم ترجمة هذا الفيلم الوثائقي إلى الإنجليزية. للإشارة، فإن شريط "معالم الدرب المنير على خطى العلاّمة الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي" من 52 دقيقة وهو من إنتاج التلفزيون الجزائري، تم تصويره بين بشار وأدرار وتيميمون وزاوية كنتة، وكيف أن هذا العالِم الجزائري التقى بالإمام السيوطي بمصر، في مناظرة علمية في المنطق، اعترف له فيها السيوطي وهو من هو في التمكن، والعلم، وبالمقام الرفيع. وعن مشاريع أخرى في الأفق، قال المتحدث إنّه يحضِّر لفيلم تلفزيوني، استلهم قصته من التراث الشعبي. كما يطمح حاليا لإنجاز أشرطة ووثائقيات لم يستطع إنجازها، وهو في خدمة مؤسسة التلفزيون، خاصة ما تعلق منها بالبيئة، والمحيط الصحراوي الذي هو مجال تخصّصه. كما كَرّم من خلال روبورتاج، سائقا متوفى يدعى أحمد بوزياني اشتغل بشاحنة من الحجم الكبير بين الخط الرابط بين بشار وتندوف على مسافة 800كم. وفي الطريق غرس شجرة استظلال كبرت اليوم. وهذا السائق الراحل نال عدة جوائز وطنية لقطعه مسافات طويلة على مدار 25 سنة. ولم يتعرض لأي حادث سير. التزم بقوانين السياقة. وكان يأخذ قسطه كسائق من الراحة، ولا يغامر، وبالتالي أصبح نموذجا يُحتذى به. ومن ضمن ما قاله بن دهينة: "أود تكملة ما بدأته خلال مسيرتي الإعلامية؛ للتعريف بالقدرات السياحية والبيئية لصحرائنا، خاصة بمنطقة الساورة ذات مليون مربع من المساحة، وما فيها من عمران، وطبيعة، وحيوان، ونبات، وتراث، ومعالم سياحية، وفنون وظواهر طبيعية، وذلك تحت عنوان "الصحراء المستكشفة" ، مع أمل أن يترجَم هذا العمل للأمازيغية والإنجليزية". ويُذكر أن عمَليه "السمكة الرملية" و"لترفاس نبات الرعد" ، دخلا مصنف الأفلام العالمي في 2023. اللقاء كان فرصة أيضا لاستعراض بعض كتابات بن دهينة الفنية والأدبية والدرامية، منها تلك الموجهة للأطفال ك"أنشودة القناديل" التي صدرت بتقنية البراي.