دعا الباحث أحمد قريق احسين إلى الحفاظ على تقاليدنا، خوفا من اندثارها وادعاء دول الغرب فيما بعد ملكيتها، مثل تلك التي تخص الغذاء الصحي، الذي طالما كان من أولويات فلاحينا، وكذا المتعلقة بطرق إخماد الحرائق، في حين نبهت الباحثة ساجية عاشوري، من خطر اندثار التسميات الأصلية لعناصر الزخرفة المتعلقة بالنسيج، وكذا غياب شبه كلي لخصوصيات كل منطقة، المتعلقة بأشكال وألوان نسيجها، مثلما كان عليه في السابق. قدم الدكتور أحمد قريق احسين، أول أمس، بالمتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، مداخلة بعنوان "التقويم الفلاحي الجزائري" (شهر يناير وإخوانه)، مقدما في ذلك، شروحات تخص تقويما فلاحيا قديما، حمل جملة من المعلومات التي تمس جوانب مختلفة متعلقة بالفلاحة والفلك . وورد في التقويم، أن شهر يناير، واسمه بالسريانية "كانون الثاني"، تبلغ عدد أيامه 31، برجه الجدي، وله من منازل القمر: سعد الذابح وسعد بلع وثلث سعد السعود، علما أن منازل القمر عددها 28، تتوزع على 13 يوما، وهو التقويم الذي استعمل في الصحراء، نظرا لصفاء السماء التي تمكن من رؤية منزلة القمر بوضوح. وجاء في التقويم أيضا أنه مثلا، في الثالث عشر يناير، يبدأ غرس الأشجار والكرم، في حين أنه في الحادي والعشرين يناير، تخرج الليالي السود التي فيها سموم الشتاء، وفي هذا قال المتدخل، إن هناك فترة أربعين يوما تبدأ في ديسمبر، ويسمى الجزء الأول منها بالليالي البيضاء، التي لا تتم فيها الزراعة إلى غاية دخول يناير، ومعه الليالي السوداء التي تعود فيها الحياة، ليتم الاحتفاء بمناسبة يناير. ومن بين ما ورد في التقويم، أنه في هذا الشهر، يستحب أكل الدسم، كما يتزوج الطير ويغرس النوى، مثل اللوز والجوز، وينبغي زبر ما ضعف وتنقية عرائش العنب. بالمقابل، اعتبر قريق احسين أن قياس الزمن هو أول مؤشر للحضارة، وهو ما اهتم به الكثيرون، الذين صمموا العديد من التقويمات التي اتبعوها، بينما نجد التقويم في الجزائر العتيقة في العديد من التحف، مثل لوحة من الفسيفساء، تم فيها وضع التقويم المتبع آنذاك، بالإضافة إلى المخطوطات التي ضاع أغلبها. وأشار الباحث إلى أن التقويم الفلاحي الذي يضم الأشهر؛ يناير، فورار، مغرس، ابرير مايو، يونيو، يوليو، غشت، شتنبر، أكتوبر، نونبر ودجنبر، يشمل أيضا معلومات فلكية ولغوية وأخرى متعلقة بمنازل القمر، كما تشترك الجزائر مع الشام ودول جنوب أوروبا في العديد من المعاني المستعملة في الفلاحة، نظرا لتشابه طبيعتها. وقدم قريق العديد من الأمثلة المتعلقة بتقاليد جزائرية مرتبطة بالفلاحة، مثل "العنصرة"، وهي تنظيف الحدائق في فترة الاعتدال الربيعي وحرقها والمرح حولها، أما الدخان المتصاعد من هذا الحريق، فهو بمثابة مبيدات طبيعية للتخلص من كل ما يؤذي الزرع. كما يتم زراعة التين الشوكي بكثرة للحماية من الحرائق، حيث تمتلك هذه النبتة نسبة كبيرة من الماء، تؤدي إلى إيقاف انتشار الحرائق. مؤكدا في السياق نفسه، حكمة فلاحينا القدامى، الذين خدموا الأرض وفهموها، وكانوا يقدمون النصائح حول الزراعة والأكل الصحي والحماية من الأمراض، يجب أن نحافظ عليها. الزخرفة على النسيج.. لغة نسوية بامتياز أما الدكتورة ساجية عاشوري، فقد قدمت مداخلة بعنوان "الزخرفة الرمزية ودلالتها على النسيج المحلي"، قالت فيها، إن استعمال العناصر الزخرفية الهندسية ميزت حرفة النسيج، بحكم طبيعة المادة المشكلة منها، فأنتجت تركيبات زخرفية متناسقة ومتناغمة شكلا وألوانا، تنم عن أحاسيس مرهفة، أبدعت وتفننت الحرفية في نسج منسوجاتها وزخرفتها الهندسية التي استوحتها من البيئة التي عاشت فيها، ومن الأدوات المستخدمة في نشاطاتها اليومية. وأضافت أن الزخرفة تعد لغة صامتة، تجسدت عبر مختلف عناصرها، وهي النقطة والخط والمعين واليد والمشط والإبزيم، والتي تعد عناصر مشفرة، تعبر بها الناسجة عما لم تستطع البوح به، دون كسر قواعد وقيود الأعراف والتقاليد السارية في مجتمعها الريفي المحافظ. وذكرت عاشوري، أن النسيج انتشر في مختلف المناطق الجزائرية، إلا أنه يعاب عليه حاليا، تغييب خصائص كل منطقة التي كان لها نسيجها الخاص، من حيث الأشكال والألوان المستعملة، لتطالب بعودة التخصص في النسيج، وكذا تعلم الشابات من الجدات، لما يميز هذه الحرفة التي من الضروري الحفاظ على أصولها، وتابعت أن النسيج الجزائري معروف بالأشكال الهندسية، إلا أنه مؤخرا، غزته الأشكال النباتية، وحتى الألوان الغريبة عنه، مثل الوردي والبنفسجي. حتى تسميات أشكاله تغيرت، فبرزت تسميات جديدة، مثل العسكري والطائرة. وأكدت عاشوري أن الزخرفة الهندسية قد تبدو مبهمة، لكنها تحمل في أعماقها معاني وأسرار، بل هي لغة تتكلم بها المرأة على شكل رموز، وتتشكل من عناصر، وهي النقطة التي ترمز إلى الحبوب، والخط الذي يتدرج من الرقة إلى الخشونة والليونة، إلى الصلابة، وقد يكون مرحا متموجا أو صلبا، ويعمل على الفصل بين المساحات، في حين يرمز المعين إلى الحذر من الحسد وإلى العضو التناسلي للمرأة، أي إلى الخصوبة وغيرها من المعاني، بينما ترمز اليد أيضا إلى محاربة الحسد، وللصلوات الخمس والأركان الخمسة للإسلام، أما المشط فهو رمز للخصوبة والإبزيم، الذي هو عبارة عن مشبك أو دبس، فيدل، حسب شكله، على حال المرأة، عازبة مخطوبة أو متزوجة.