ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الأربعاء بنيويورك خطابا أثناء الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة هذا نصه الكامل: السيد الرئيس أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسادة حضرات السيدات والسادة دعوني بداية أعرب لكم عن مدى سعادة الوفد الجزائري بتوليكم رئاسة أعمالنا أنتم الذي نرى فيكم واحدا من خيرة الأبناء البررة لبلد شقيق وجار. فكونوا على ثقة بأنكم ستلقون من الجزائر في تأدية مهمتكم كل الدعم الصادق والفعال. هذا وأشيد غاية الإشادة بسابقكم الأب دسكوتو D'Escoto على ما أبداه من كفاءة ونزاهة والتزامه التام لصالح تعددية الأطراف التي نشأت مما جاء في الميثاق من مبادئ ومثل. وأود أخيرا أن أعبر عن عرفاننا لأميننا العام السيد بان كي مون على ما يتحلى به من حكمة وتبصر في تدبيره لشؤون المنظمة وعلى تلك المبادرات التي ما انفك يقوم بها في سبيل تعزيز دور منظمة الأممالمتحدة وإرساء سلطتها المعنوية. السيد الرئيس إن الأزمة العالمية تفرض نفسها هذه السنة كذلك موضوعا أساسيا للمداولات العامة للدورة الرابعة والستين هذه. لقد كان للعالم ما يكفي من الوقت لتقدير مدى جسامتها وخطورتها. ولئن كانت ساعة الحصائل لم تحن بعد فإننا نعلم الآن أن الأمر لا يتعلق بأزمة ظرفية ولا بانفجار فقاعة على غرار ما عرف النظام الرأسمالي في الماضي. إن العالم قد أدرك اليوم أنه يواجه أزمة نظام تحكمه قواعد العولمة والشمولية مثلما أصبح يسلم بأن أي حل جاد ودائم للأزمة هذه مرهون باتخاذ قرارات شجاعة وتشاورية القصد منها النهوض بحكامة اقتصادية عالمية قائمة على قيم المسؤولية والإنصاف والتضامن والرقي حكامة تكون غايتها وضع حد للممارسات المالية والتجارية الغامضة والجائرة وغير النزيهة المفروضة على بقية بلدان العالم باسم حرية التبادل وفعاليته التي لا تحتمل أخذا ولا ردا. لقد بات من المستعجل بالنسبة للمجموعة الدولية أن تقدر خطورة الممارسات هذه باعتبارها تهديدات كبرى للسلم والاستقرار في العالم وتقابلها بالرد المواتي. إن نقص الانسجام في المسعى المعتمد لمواجهة الأزمة يتجلى من بين ما يتجلى في المعاملة غير العادلة التي تعامل بها البلدان النامية ذلك أنه لا يجوز تحميل بلدان النصف الجنوبي من المعمورة عبء الأزمة بينما هي ليست مسؤولة عنها بل إنه يجب عكس ذلك مساعدتها على مواجهتها. والحال أن الرد الموائم الوحيد القمين بأن يعود بالنفع العميم على المجموعة الدولية برمتها إنما يكمن في حكامة جديدة للنظام الاقتصادي العالمي مبنية على مبادئ الإنصاف والشفافية والرفاهية المتقاسمة. ومن نافلة القول إنه في انتظار إحلال مثل هذه الحكامة لا مندوحة من الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها لصالح بلدان الجنوب. والواقع أن ترابط الأمم والتشابك المتزايد بين ما يواجهها من المشاكل يفرضان حكامة دولية تيسر إحلال تعددية قوامها فضائل التشاور والتعاون والشراكة. إن انتهاج مقاربة للعلاقات الدولية مدمجة وتشاورية وشاملة للجميع مقاربة تحملها حكامة عالمية مجددة هو وحده الذي سيمكننا ليس من تجاوز مشاكل عصرنا جماعيا وتضامنيا فحسب بل ومن مواجهة التهديدات التي تحيق بالسلم والأمن. فالمؤسسات المتعددة الأطراف التي ينخرها التناقض والتفكك عاجزة عن الخروج من الطريق المسدود الذي آلت إليه مسارات التفاوض حول مسائل حيوية ذات انعكاسات مباشرة على شعوبنا. ذلكم هو أولا حال المفاوضات من أجل إبرام معاهدة تحل محل بروتوكول كيوتو حول التغيرات المناخية فهذا مجال حيث يتأتى فعلا للتحلي بالروح التوفيقية وبالتضامن أن ينفع البلدان كافة إلا أن مواقف البلدان المتقدمة ما تزال تحدوها المصالح الوطنية الضيقة في حين أن الرهانات تتعلق ببقاء البشرية في حد ذاته. فمن الواجب أن أخص بالشكر والتهنئة أميننا العام على مبادرته الموفقة بتخصيص جلسة خاصة للتغيرات المناخية لا غير. ومبادرته هذه تأتي عشية موعدنا المقبل بكوبنهاغن. ذلكم هو كذلك حال الأهداف الرئيسية المتمثلة في نزع السلاح والحد من انتشار الأسلحة النووية التي ما تزال رهينة لسياسة الكيل بمكيالين ولممارسات التمييز وعدم احترام الالتزامات المتخذة من قبل بعض القوى النووية على الخصوص. إن الممارسات هذه لم تستثن أطر تفاوض متعددة الأطراف تتمتع مع ذلك بالشرعية والخبرة اللازمة للسير قدما على درب تعزيز أهداف نزع السلاح والحد من انتشار الأسلحة النووية. ذلكم هو الحال أيضا بالنسبة لمكافحة اللاعقاب وانتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي تثير شكوكا مشروعة بشأن استخدام هذه القضية النبيلة لأغراض سياسية. إن مسألة حقوق الإنسان كانت محل مقاربات انتقائية الأمر الذي يرمي بالشبهة والريبة مبادرات تحدوها بالتأكيد إرادة صادقة في ضمان احترام الكرامة الإنسانية. ذلك هو الحال أخيرا بالنسبة للتعاون الدولي في مجال محاربة الإرهاب. إن الجزائر تؤيد كلية استراتيجية محاربة الإرهاب وهي ترى أن العدة القانونية الهامة هذه تحتاج إلى دعم بتبني مشروع الاتفاقية الشاملة التي طال انتظارها. كما أن الجزائر على يقين من ضرورة التكييف الدائم لوسائل الرد على هذا التهديد الخطير والخبيث. إننا ندعو لصالح إجراءات تضفي مزيدا من الصرامة والتشديد على العدة الدولية الخاصة بمحاربة تمويل الإرهاب على وجه الخصوص من خلال المنع التام لدفع الفدية لمختطفي الرهائن وهو الأمر الذي أخذ خلال السنوات الأخيرة أبعادا مخيفة سيما بعد أن ثبت أن مبالغ الفدية هذه أصبحت المصدر الرئيس لتمويل الإرهاب. لقد تبنى الاتحاد الإفريقي هذا المنع ووجه نداء إلى الأممالمتحدة لتسارع إلى المشاركة في إضفاء الطابع العالمي عليه وتجسيده في صورة وإطار يكونان في مستوى التهديد الذي تشكله الظاهرة هذه لأمن الأشخاص ولاستقرار بلداننا. السيد الرئيس إن الأمل ليحدونا في أن تنجح منظمتنا في تحقيق تقدم معتبر في ورشات الإصلاح الكبرى سواء أتعلق الأمر بتنشيط الجمعية العامة أم بإصلاح مجلس الأمن وتعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ومن نافلة القول إن تنشيط الجمعية العامة ودعمها في مهامها سيبشر بالتوصل إلى توافق بشأن إصلاح مجلس الأمن مجلس أمن يراعي التطلع المشروع للبلدان النامية وتطلع إفريقيا بصفة خاصة إلى تمثيل منصف مثلما يراعي البحث عن مناهج عمل جديدة توافق أكثر مقتضيات عصرنا. السيد الرئيس إن تمسك الجزائر بأهداف سياسة حسن الجوار ينعكس على وجه الخصوص في العديد من المبادرات والجهود الصادقة التي بذلتها بالشركة مع جيرانها. إننا على يقين تام من أن الحفاظ على السلم وترقية التنمية واحترام حقوق الشعوب هي الأسس الضرورية التي لا بد منها لبناء مغرب عربي مطمئن ومتحد ومزدهر مغرب عربي مستقر ومندمج تمام الاندماج. ما من أحد يجهل الأهمية التي نوليها لحق الشعوب في تقرير مصيرها ولا الجهود التي نبذلها في سبيل التوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع في الصحراء الغربية. إنه بإمكان منظمة الأممالمتحدة أن تعول على الدوام على الدعم الكامل والصادق للجزائر في أية مبادرة تندرج ضمن مسار تسوية هذا النزاع في إطار ما تضطلع به من مسؤوليات في مسألة الصحراء الغربية. في هذا السياق نجدد مساندتنا للأمين العام ولمبعوثه الشخصي السيد كريستوفر روس في جهودهما الرامية إلى ترقية حل يتيح للشعب الصحراوي ممارسة حقه الثابت في تقرير مصيره بكل حرية. إننا نساند مساندة غير مشروطة قضية الشعب الفلسطيني التي تهدد تطوراتها السلم والأمن في المنطقة برمتها. إن الشرق الأوسط لا يمكنه أن يجدد العهد بالسلم والاستقرار دون حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي. لقد أصبح من الواضح والجلي بالنسبة للجميع أن الحل المرضي لن يتحقق إلا بممارسة ضغوط قوية وصادقة على القوة المحتلة الإسرائيلية لحملها على التخلي عن سياسية الاستفزاز والاعتداء ضد الشعب الفلسطيني وعلى احترام الالتزامات التي تعهدت بها والاستجابة لمبادرة السلام العربية. وعلى صعيد آخر تسهم الجزائر بفعالية في الجهود التي تبذلها البلدان الإفريقية في سبيل تعزيز وحدتها والقضاء على النزاعات التي تعوق جهود التنمية والنجاح في تحقيق اندماج القارة سياسيا واقتصاديا. إن الإنجازات التي سجلها الاتحاد الإفريقي لتجعل منه من الآن فصاعدا شريكا موثوقا ومحترما. وتعاونه مع منظمة الأممالمتحدة أتاح له تحقيق تقدم ملحوظ على الخصوص من خلال التقليل الملموس من عدد بؤر التوتر في قارتنا. ولئن كان من اللائق أن نرتاح لهذا التسيير المشترك للنزاعات الذي بات قائما ما بين المنظمتين بالاتساق التام مع منهج الأممالمتحدة فإنه من المؤسف ألا يضطلع كل من شركاء إفريقيا ومجلس الأمن بمقتضيات هذا المنهج. ولما كان من المسلم به عالميا أن حفظ السلام في العالم هو أمر يدخل في المقام الأول في نطاق مسؤولية منظمة الأممالمتحدة فمن الأهمية بمكان أن يستمر تجند المجموعة الدولية برمتها لمعالجة مسألة النزاعات في إفريقيا. وفي هذا الصدد فإن بلادي تشاطر وتساند التقويم الذي جاء به قائد الثورة الليبية الأخ معمر القذافي والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي ولا سيما المسعى الإفريقي الهادف إلى القضاء على النزاعات في إفريقيا إلى غير رجعة.. السيد الرئيس أختتم كلمتي هذه بتجديد رغبتنا في أن يتم تغيير تصميم الشؤون الدولية وتسييرها بفضل التزام فعال وصادق للمجموعة الدولية قاطبة لصالح تجديد المنظومة المتعددة الأطراف وتعزيزها. أشكركم على كرم الإصغاء.