❊ الرئيس الفرنسي رهينة لخطابات لوبي اليمين المتطرّف والخلاص مؤجّل ❊ ضعف التوافق السياسي لمعالجة عجز كبير في ميزانية فرنسا وصل صدى الأزمة الداخلية في فرنسا إلى الهيئات الدولية التي غيّرت نظرتها إزاء التصنيف الائتماني للاقتصاد الفرنسي الذي شهد تدهورا خلال الفترة الأخيرة، بسبب ارتفاع الديون العمومية واستمرار الغموض حول الوضع المالي للبلاد، ما يؤثّر بشكل واضح على قراراتها ومكانتها بين دول الاتحاد الأوروبي. غيّرت وكالة "اس آند بي غلوبال" للتصنيف الائتماني نظرتها للاقتصاد الفرنسي لتصبح سلبية، في ظل ضعف التوافق السياسي لمعالجة العجز الكبير الأساسي في ميزانية فرنسا وكذا الغموض الذي يعتري آفاق النمو الاقتصادي، متوقّعة انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا إلى أقل من 1% هذا العام، مما يزيد من الضغط على التوقعات المالية. وقد أبقت الوكالة على تصنيفها لفرنسا عند "أ أ"، "وهو أعلى بسبع درجات من مستوى السندات غير المرغوب فيها"، في الوقت الذي اعتمدت فيه فرنسا ميزانيتها للعام الجاري هذا الشهر بعد صراع برلماني شاق أدى إلى انهيار الحكومة في ديسمبر. وحتى مع اعتماد الميزانية، يظل خطر انهيار حكومي آخر قائما حيث يفتقر رئيس الوزراء فرانسوا بايرو إلى أغلبية في الجمعية الوطنية، فيما يرجح أن تعود التوترات مع أحزاب المعارضة في الأشهر القادمة، عندما يناقش المشرّعون التغييرات المحتملة على نظام التقاعد. وقالت "إس آند بي" إنها قد تتخذ إجراءات سلبية إضافية على تصنيف فرنسا إذا لم تتمكن الحكومة من تقليص العجز الكبير في الميزانية بشكل أكبر خلال العامين المقبلين، أو إذا انخفض النمو الاقتصادي عن توقّعات الوكالة لفترة طويلة. وكان متوقعا أن تلقي آثار الأزمة في فرنسا بظلالها على الواقعين الاقتصادي والمالي للبلاد، في ظل التناقض الذي يميّز مواقف رئيس الجمهورية الفرنسية وأعضاء حكومته، أبرزهم وزير داخليته الذي لا يتردد في استغلال أي مناسبة من أجل تشويه صورة الجزائر ما يزيد من تعقيد واقع العلاقات الثنائية ويعزّز الخطاب المزدوج في علاقات فرنسا مع بلادنا. وبرز ذلك جليا في تصريحات التهدئة التي أدلى بها الرئيس ايمانويل ماكرون من البرتغال عند تطرّقه للعلاقات الجزائرية الفرنسية، غير أن وزير داخليته سار عكس هذا التيار بعد أن أعطى تعليمات لمصالح شرطة الحدود بمنع دخول زوجة سفير الجزائر بمالي إلى التراب الفرنسي. فالرئيس الفرنسي يبقى رهينة لوبيات اليمين المتطرّف الذي يرفض أي مصالحة أو تقارب بين البلدين، حيث سبق له أن اعترف في أحد خطاباته أن أطرافا تعرقل مساعيه من أجل هذا الهدف، غير آبهين بمصلحة باريس بسبب تشبثهم بالعقيدة الاستعمارية وسياسة الاستعلاء عند التعامل مع مستعمراتها السابقة. كما أن "التيهان السياسي" بات الميزة المسيطرة على سلوكات الوزراء المتطرّفين الذين يدلون بتصريحات تتسم بالكراهية تجاه كل ما هو جزائري، في سياق إلهاء الرأي العام الفرنسي عن القضايا التي تهم الشعب وتبرير فشل الحكومة الذي تجاوز حدود فرنسا، في ظل إصرار اليمين المتطرّف الفرنسي وأولئك الذين سيطروا على أفكاره داخل الحكومة الفرنسية على التنافس من أجل حمل الجزائر على التراجع. ومن بين هذه الإجراءات المقترحة نذكر دعوات توقيف مساعدات التنمية المزعومة للجزائر، علما أن الصادرات الفرنسية بلغت قيمتها 3,2 مليار دولار أمريكي في 2023، كما نجد استثمارات فرنسية بلغ حجمها الإجمالي 2,5 مليار دولار أمريكي وهو بعيد كل البعد عن حجم استثمارات أهم المستثمرين الأجانب في الجزائر، على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية وتركيا وإيطاليا وقطر وسلطنة عمان ومصر وغيرها من الدول. يأتي ذلك في وقت أصبحت "المراهقة السياسية" تسيطر على الوضع العام الفرنسي، ضاربة عرض الحائط ثوابت السياسة العالمية وحتى مصالح فرنسا، في الوقت الذي قطعت دول من الاتحاد الأوروبي خطوات معتبرة في علاقاتها مع الجزائر وفق نظرة براغماتية محضة.