تيقنت الأممالمتحدة عبر أمينها العام أخيرا أن الوضع في الصحراء الغربية لم يعد يطاق وأبدت مخاوف متزايدة من احتمالات انفجار الوضع في المستعمرة على خلفية تنامي حملة القمع المغربية ضد النشطاء والحقوقيين الصحراويين والتي تجاوزت الخطوط الحمراء ضد شعب يقهر.واعترفت الهيئة الأممية بطريقة ضمنية أن تكهرب الوضع في الصحراء الغربية راجع إلى إقدام أجهزة الأمن المغربية على حملة اعتقالات في أوساط النشطاء الحقوقيين الصحراويين الذين سجنوا ظلما وطغيانا لمجرد قيامهم بزيارة إلى ذويهم في مخيمات اللاجئين في تندوف. ويجب القول أن ما حرك"مشاعر" الأممالمتحدة هذه المرة وفي هذه القضية بالذات يبقى الوضع الصحي للحقوقية الصحراوية المعروفة اميناتو حيدر التي دخلت في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على إقدام السلطات المغربية على تجريدها من جواز سفرها وطردها إلى جزر الكناري الاسبانية. وتؤكد مثل هذه التطورات أن السلطات المغربية ارتكبت خطأ كبيرا في كيفية التعامل مع هذه القضية الشائكة بعد أن اعتقدت أن طرد اميناتو حيدر سيغنيها عن تبعات تحركاتها التحسيسية في الصحراء الغربية ولكنها تحولت إلى شوكة في حلق الرباطومدريد على السواء. وتأكد أيضا أن تواطؤ الحكومة الاسبانية لم يخدم لا الرباط ولا مدريد بل أن الأولى تكون قد وضعت الثانية في ورطة دبلوماسية حقيقية بعد أن تعالت الأصوات في اسبانيا وخارجها منددة بهذا التواطؤ المخذل لحكومة اشتراكية تدعي احترام حقوق الإنسان والأكثر من ذلك بصفتها حكومة تتحمل مسؤولية تاريخية في حماية شعب مستعمرتها السابقة من تجاوزات قوة استعمارية ثانية. وكان يمكن أن تمر الورطة الاسبانية المغربية دون أن تثير الانتباه لولا الموقف الشجاع الذي اتخذته المناضلة الصحراوية التي أبت إلا أن تعود إلى بلدها رافضة "السخاء الاسباني "المزيف بمنحها حق اللجوء السياسي وفضلت الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجا على تصرف الحكومة المغربية وتواطؤ مدريد معها. وتكون حيدر من خلال قرارها ودخولها في إضراب عن الطعام قد روجت لقضية شعبها وكأنها آلة دبلوماسية متحركة بين عواصم العالم رغم أنها قابعة في بهو مطار لازاروتي الاسباني في تحد واضح للحكومة الاسبانية والمغربية على السواء وهو ما سيكسبها ولكل قضية الشعب الصحراوي شرعية اكبر وأكثر اتساعا في كل العالم. والمؤكد أن إصرارها على عدم وقف إضرابها سيزيد من متاعب الحكومتين الاسبانية والمغربية وسيدفع دون شك بمدريد إلى إعادة النظر في موقفها بعد أن جعلت حيدر سمعة الحكومة الاسبانية في الحضيض حتى في أوساط الشعب الاسباني. وهو ما يفسر التخوف الاممي من تداعيات عمليات الاعتقال المغربية ضد الحقوقيين الصحراويين وخاصة وسط الحملة الدولية التي ما انفكت تتوسع رقعتها كبقعة الزيت عندما تعالت أصوات دولية منادية باحترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وهو ما يفسر الموقف الاممي أول أمس عندما أكد الأمين العام بان كي مون انه سيكلف المحافظة السامية الأممية للاجئين بمعاينة الوضع العام في الأراضي الصحراوية وهي خطوة محتشمة وكان عليه أن تكون له الجرأة الكافية ليكلف البعثة الأممية في الصحراء الغربية للاضطلاع بهذه المهمة من منطلق أنها تدخل في إطار عملية إتمام عملية تقرير المصير. كما أن المخاوف الأممية لا يمكن إخراجها عن المكسب الكبير الذي حققته القضية الصحراوية أول أمس في مدينة برشلونة الاسبانية عندما تم الاتفاق على تشكيل لجنة برلمانية دولية تقوم بالتعريف بالقضية وفضح الممارسات المغربية والضغط على الحكومات المترددة في الاعتراف بعدالة قضية الشعب الصحراوي. ولا يمكن إخراج تصريح بان كي مون أول أمس بإرسال موفده الخاص إلى الصحراء الغربية بإعادة التفاوض من اجل عقد جلسة ثانية غير مباشرة للمفاوضات عن رغبة اممية لامتصاص درجة الغضب في الأراضي الصحراوية. ويمكن القول على ضوء هذه التطورات أن التحركات المكثفة الأخيرة للنشطاء الحقوقيين الصحراويين وخاصة السبعة الذين اعتقلوا في مطار الدارالبيضاء وإحالتهم على العدالة العسكرية المغربية وقضية اميناتو حيدر جاءت لتخلط حسابات الرباط وجعلتها في ورطة حقيقية وكشفت أنها لم تعد تتصرف بحكمة دولة تزعم أن الصحراء الغربية صحراء مغربية وشعبها جزء من الشعب المغربي. وهي الثورة الصامتة التي جاءت لتدحض أقاويل المخزن المغربي وتفضح كل الممارسات المغربية إلى درجة أن الملك محمد السادس لم يتمكن من ضبط نفسه أمام هذه الحملة وراح يطالب أجهزته الأمنية بقمع كل صوت يخرج عن عصا الطاعة المغربية ويقول مجاهرا أنا صحراوي ولست مغربيا ولا يمكن أن أكون. والأكيد أن الملك المغربي سيكتشف انه وقع في فخ انتهاكاته وهو يعلم قبل غيره أن حقوق الإنسان أصبحت من أولى الأولويات في التعاملات بين الأنظمة والحكومات بل إنها تحولت إلى ورقة ضغط تلجأ إليها هذه الدولة أو تلك لتمرير مواقفها. وسيتأكد الملك محمد السادس أن الأصوات التي أراد أن يكممها ستولد عشرات الأصوات لحقوقيين صحراويين آخرين سيرفعون "لاءات ولاءات" في وجه عملية الضم المغربية لأرضهم بالقوة وبدعوى أنهم مغربيون.