"... لا أريد أكثر من عمل "، بهذه الصرخة أراد (ص. م) 49 سنة، أن يعبر عن حجم المعاناة التي تزداد يوما بعد يوم، وهو أب لأربعة أطفال أكبرهم في السنة النهائية من التعليم الثانوي، (ص) مصاب بداء نقص المناعة المكتسبة (السيدا)، الذي اكتشفه منذ 9 سنوات يعيش كما يقول: "في جحيم"، جحيم المرض الذي يؤكد أنه لم يتقبله إلا بصعوبة وجحيم البطالة التي يعاني منها بعد إقفال المحل الذي كان يشتغل فيه... التقيناه في اليوم العالمي لمكافحة السيدا، فقال لنا أنه يكافح ويصارع في هذه الحياة من أجل توفير لقمة العيش أولا لأبنائه قبل التفكير في مرضه، حيث أصبح "الفيروس" كما قال صديقه، لأنه يعيش في جسده ولا حول له سوى توقيفه بالدواء الذي ولحسن حظه يحصل عليه بالمجان.. (ص) يستغيث فهل من مغيث؟ بكل عفوية روى لنا (ص) قصته المؤثرة وعيناه تذرفان الدموع، فقد تلقى نبأ إصابته بهذا الداء في سنة 2000، بعدما أصيب بمرض في الرجل وبزكام خفيف والذي لم يشف منه لمدة شهر كامل : " لقد أصبت ببعض الأمراض التي لم أشف منها لمدة طويلة، حيث كنت أعاني من حمى مرتفعة جدا (بين 39 و40 درجة)، و رغم أنني كنت أتلقى الدواء إلا أن ذلك لم يكن له أي أثر، وهذا ما أقلقني، وذهبت إلى المستشفى حيث يعمل أطباء كانوا أصدقائي، والذين أكدوا لي ضرورة دخول إلى المستشفى في أسرع وقت". وقد دام مكوث (ص) في مستشفى الأمين دباغين (مايو سابقا)، 4 أشهر كاملة، وبعد التحاليل التي أجريت له، خاصة بعد انخفاض وزنه الذي وصل 30 كلغ، وإثر فحوصات معمقة، تبين أنه يعاني من فيروس السيدا : " بعد كل الفحوصات وبعدما تأكدوا في المستشفى أنني مصاب، لم يرد صديقي الطبيب المساعد إخباري بالأمر، حيث طلب مني أن أذهب إلى مكتب البروفيسور، الذي مهد لي الأمر ليعلمني بإصابتي". علمي بمرضي كان كضربة فأس على الرأس كيف تلقى (ص) الخبر وهو الذي كان يتوقع الأسوأ، عندما صعد إلى مكتب البروفيسور؟، بالفعل لم يكن تلقي هذا الخبر سهلا "عندما قال لي البروفيسور أنني مصاب بهذا الفيروس شعرت كأنه ضربني بضربه فأس على الرأس، فقد دارت الدنيا من حولي ولم يكن بإمكاني تقبل الأمر، بالنسبة لي تهدم كل شيء في حياتي وأول من فكرت فيه أولادي وزوجتي"، كما يقول، ولحسن الحظ أن الأبناء نجوا من الإصابة بالفيروس، في حين أصيبت الزوجة وهذا ما زاد من تفاقم المشاكل، فبعد علم زوجته أنها تلقت هي الأخرى الفيروس بدأت المشاكل بين الزوجين، وأضيفت إلى بقية المصاعب الأخرى التي تعيشها العائلة، أبرزها البطالة التي يعاني منها (ص) : " لم أكن أعلم أنني مصاب بهذا الفيروس، الذي أظن أنني تلقيته عندما كنت أسافر إلى الخارج كثيرا، لقد ندمت فعلا عن الأخطاء التي ارتكبتها والتي كانت أخطاء الشباب، لهذا أوصي الشباب بالحذر والحذر الشديد"... ومن أجل ألا يعرف الفيروس التطور ولتوقيف نشاطه، يأخذ (ص) الدواء حيث يتجرع يوميا 14 قرصا مما تسبب له في أعراض جانبية أخرى جعلته يدخل في حالة استعجاليه إلى مستشفى القطار، الذي مكث فيه مدة شهر : " دخلت المستشفى حتى أسترجع بعض قواي، لكن حياتي انقلبت رأسا على عقب وتغير كل شيء، ففي البداية كنت أذهب إلى المستشفى مرة كل شهر من أجل الفحوصات الدورية، لكن بمرور الوقت أصبحت أذهب مرة كل ثلاثة أشهر ". هذا في الوقت الذي حاول فيه (ص)، أن ينشط في بعض الجمعيات الخاصة بمكافحة السيدا والتي لم يستطع أن يواصل العمل معها، نظرا لأنه كما يقول، لم يعد يتحمل رؤية معاناة العديد من المرضى ولا يمكنه أن يلبي لهم ما يحتاجونه، في الوقت الذي يعاني فيه هو الآخر من متاعب الحياة ومتاعب المرض. أريد عملا يضمن لي التأمين من أجل أبنائي " لقد عملت بعض الأعمال الصغيرة والمؤقتة، لكن لم تكن دائمة، لهذا فأنا أبحث عن عمل مستقر يضمن لي التأمين، لأنني أفكر في أبنائي، فإن حدث لي أي مكروه سيجدون ما سيعيشون به من بعدي، خاصة وأن زوجتي ماكثة بالبيت". وقد قام (ص) بإيداع عدة طلبات عمل بالعديد من الشركا إلا أنه لم يحصل على أي رد، رغم أنه يملك خبرة في مجال قطع غيار السيارات تفوق ال 20 سنة، وعن سؤالنا إن كان ذلك لمرضه، أكد لنا أنه ليست هناك أية علاقة، معتبرا أن الأمر عام وكما قال، فإن هناك الكثير من الناس يعانون من البطالة : " حاليا أحصل على منحة البلدية التي تقدر ب 5000 دج، والتي لا تكفيني في أي شيء وليس من عادتي تقبل هذه المنح، لكن ما باليد حيلة، فالأدوات المدرسية للأطفال تأتي من طرف المحسنين وبعض الدواء الذي أتناوله يقتنيه لي الجيران أو الجمعيات، لا أحكي لكم أيضا كيف مر شهر رمضان علينا، وحتى البيت الذي أسكن فيه ملك لمن كنت أعمل عنده، ففي الوقت الحالي لم يقل أي شيء، لكن أخشى ما يخبئه لي القدر". (ص)، يؤكد أنه يعيش مشاكل عائلية كبيرة، سببها الفقر بالدرجة الأولى والديون المتراكمة عليه، والقلق مضر بالمصابين بفيروس السيدا، ولكن (ص) يرى أن الأمر خارج عن السيطرة، في ظل كل هذه المشاكل الكثيرة والمتراكمة والتي ليس بها أي حل سوى عمل يحفظ شرفه ويمكنه من تلبية حاجيات أبنائه وحاجياته: " أنا مستعد للتضحية من أجل أبنائي، فليس لدي أي شيء أهم منهم، وأشكر الله أنه عافاهم من الإصابة بهذا الفيروس، أريد فقط عملا لكي أتخلص من ديوني قبل أن أموت، أنا أعاني كثيرا".